عندما كسر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر كسر احتكار السلاح عام 1956 مشتريا من الكتلة الشرقية التي كانت تقودها موسكو كل أنواع السلاح، شعر الجميع أن ليس مصر وحدها تتغير، بل المنطقة، بعدما لحقتها لاحقا سوريا وليبيا والعراق واليمن الجنوبي والفلسطينيون بشراء السلاح من هذه المصادر، إذ صارت بندقية الكلاشنكوف الروسية رمز حراك المنطقة السياسي والعسكري والاجتماعي، بل برمز شعبي محبب كثيرا، ومن يعطِ السلاح يفرض سياسته، إذ وصلت الأمور بمصر عبدالناصر أن تكون موسكو “المهيمنة” تقريبا على السياسة المصرية، بل كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لا يقطع خيطا إلا إذا اطلع السوفيات عليه .
أخرج أنور السادات الروس من معادلة المنطقة في السبعينيات، لكن روح وجودهم الذي ترك أثرا عميقا لم يغادر، وفي عز الحرب الباردة بين السوفيات والأميركيين، كان واضحا أهمية السلاح في عملية الاصطفاف الذي عاشته المنطقة، ومن هنا، ربما، انطلقت شعارات مثل تقدمي ورجعي ..
نظرة إلى اليوم، سوف نجد ما يشبه البارحة، عدنا إلى مشهد الروسي والأميركي يمسكان زمام الأحداث، يقدم كل منهما وجوده الفاعل في علاقته بحليفه. وصار واضحا من هم حلفاء هذا أو ذاك، لكن الأهم أن التاريخ لا يكتب مرتين بذات الحوادث والنهايات، ومن هنا تبدو المنطقة قد اتخذت مسارا نهائيا على وجه التقريب، بأن يكون لروسيا مجرد قاعدة عسكرية في سوريا ثابتة و”أزلية” وربما في أمكنة أخرى، بل تحالفات عميقة لا يمكن فصلها عن المصالح، إضافة إلى العمق الممتد في علاقات الصبر على مكاره المنطقة .. وفي سوريا، كان الروسي دائما متمتعا بوجود بلا منغصات، بل بأريحية الود من الناحية السياسة، وباحترام للتكامل في المفاهيم، وبنظرة شبه موحدة للعالم وتحولاته وأحداثه وأشكاله المتغيرة.
الأميركي ظل أسير عالم ارتبط فيه فكانت إسرائيل معنى لوجوده الدائم، وكان آخرون يقدمون فروض الطاعة إما خوفا ورهبة، أو استفادة من حماية طالما أن الأميركي صعب المراس، وخصوصا أن صداقته مشكلة وعداوته كارثة. ولهذا نجده في أوضاع المنطقة المستجدة منذ سنوات تحت باب الجحيم العربي، مهيمنا على كل صغيرة وكبيرة يقود مرحلة تدمير المنطقة مباشرة أو عبر أعوان .
صحيح أن هذا الأميركي لا يمكن مقاومته، لكن الصمود والبسالة يغيران من تبدل النظرة عنده، وإن كان لا ترضيه الوصول إلى هذه الفرضية .
وصحيح أيضا أن الروسي اتخذ قراره بأنه بعد اليوم ليس هنالك سوى تواجد عسكري له عبر قاعدة عملاقة يكون أولها كقوة ضاربة في الساحل السوري وآخرها ربما في أفغانستان، فإن الأميركي الذي فهم تماما ما ترمي إليه روسيا وما رسمته في سياستها الشرق الأوسطية، بات معترفا بذلك، بل والحق يقال إن أميركا التي كانت منذ سنوات لم تعد، سوى أن هيمنتها الهائلة ما زالت ماثلة في أذهان الجميع، ومن هنا تأثيرها المباشر على مجريات أمور كثيرة .
المنطقة تتغير وستتغير أكثر كلما اقتربنا من حلول ما للأزمات العاصفة، وخاصة في سوريا التي منها يبدأ التغيير وبها يسير ويكبر ويتعاظم .. يعرف الروسي ذلك، ويفهمه الأميركي أيضا؛ ولذلك إصراره على أن تظل له اليد العليا في الحرب على سوريا مباشرة أو عبر أعوان، كي يكون الحاضر الأكبر فيه .
مقالات ذات صلة
رأي الوطن: سوريا .. تضافر الأدلة على كذبة الكيماوي
21 أبريل,2018
شاغل أميركا الراهن
21 أبريل,2018
من رسائل العدوان.. وما بعده
21 أبريل,2018
ورقة الحصار ومحاصرة مسيرة العودة
21 أبريل,2018
باختصار: إسرائيل بدل فلسطين!
21 أبريل,2018
رأي الوطن: تراث يصنع التفرد
20 أبريل,2018
الأكثر قراءة
- الخام العماني يحلق فوق الـ 70دولاراً و(أوبك) ترى (التخمة) انتهت
- مطار مسقط أفضل مشروع تطوير سياحي بالشرق الأوسط والطيران العماني
- جلالة السلطان يهنئ ملكة بريطانيا
- وكيل النفط والغاز لـ”الوطن”: المعروض لا يزال كبيراً في الأسواق ومن الصعب التنبؤ بالأسعار
- أيام بيت الزبير للفنون تختتم فعالياتها بعد أسبوع حافل بالفنون التشكيلية والتصوير الضوئي وحلقات العمل
- خطبة الجمعة: حُبُّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازُ بهِ
- افتتاح مركز عمان للغة والثقافة العربية في بيلاروسيا
- 5 قرى بإزكي تشارك في (تراثي هويتي)
- جوخة الريامـــية تحرز المركز الأول في مسابقة التصوير الضوئي بإزكـــي
- اختتام فعاليات مهرجان الأبيض الأهلي السنوي التاسع للهجن