يقول الإنكليز عدم وجود اخبار بحد ذاته خبر جيد، وعندنا أينما تذهب تجد الناس يشتمون الشاشات والإذاعات لأنهم اصبحوا “مدمنين ” أخبار، وفي الواقع اصبح سماع الأخبار حاجة يومية، بل أكثر من ذلك، حاجة لمتابعة ما يجري، وقد اصبح ساعة بساعة وليس يوما بيوم، ورغم أن الجميع يعرفون أن ما هو مقبل من الأخبار لا يحمل ما هو مفرح، بمعنى أن لا أخبار عن التنمية والبناء والأعمار وتحسين البيئة والانتقال بالواقع الصناعي والتربوي والزراعي ، وأن صور القتل والتشرد والدماء والدمار هي الطاغية على كل شيء.
بمفهوم التنمية المجتمعية فإن الخبراء يقولون إن وسائل الاتصال الحديثة ساهمت بقوة في تحجيم الوعي في المجتمعات، وأن الأمر لم يتوقف عند الفضائيات وما ترميه من حمم كثيرة مستهدفة العقل البشري، بل إن ذلك يمتد إلى زمن بعيد، فبقدر ما احدثت ثورة الطباعة في القرون الوسطى من انتقالة هائلة في الميدان المعرفي بعد توفير الكتاب بنسخ عديدة وأصبح تداوله ميسرا ونقله بين المدن والدول أكثر سهولة، ومن ثم فتح باب التبادل والتلاقح الثقافي والمعرفي بين الأمم والشعوب من خلال الترجمة التي قدمت خدمة كبيرة للمجتمعات، فإن أول انتقالة في هذا المضمار تعرضت للانتقاد، وقد يستغرب البعض إذا ما عرفوا أن ظهور الصحف في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قد قوبل بانتقادات، وثمة من قال إن ما تنشره الصحف من معلومات مبتسرة يقلل اهتمام الناس بالكتاب، كما أن المقالات القصيرة لا ترقى إلى مستوى الكتاب بما يقدمه من فكر ومعلومات وطروحات معمقة، وحذر البعض من تراجع في الوعي بسبب اهتمام الناس بما تقوله الصحف، وإن أخبارها لن تزيد من الوعي البشري بقدر ما تصحّر هذا الوعي، لكن ظهور الإذاعات قبل نحو قرن من الان أثار موجة من السخط ،لأنها ستشغل الناس عن الكتاب وتبعده عن الصحيفة التي سبق انتقادها، وأن المجتمعات ستنشغل بالاستماع إلى الموسيقى والغناء وتلهو بعيدا عن ينابيع المعرفة.
أما بظهور التلفاز وما يقدمه من صورة فإن الإذاعة كانت الاقل خطرا في موضوع تصحّر المجتمعات معرفيا وثقافيا، حتى ظهر التلفاز بالالوان وبعد ذلك هاجم المجتمعات التلفاز الفضائي وتراجع الاهتمام بالروافد المعرفية الحقيقية بمستويات كبيرة جدا.
وينشغل الناس بمتابعة الأخبار رغم أن الكثيرين سئموا ذلك، لكن لا نافذة لمتابع كوارثنا إلا الشاشة الصغيرة، التي تغذينا بكل ما هو سيء ومشاهد الدمار والقتل وهذا الفضاء الواسع من الخراب، دون نافذة صغيرة للخلاص من كل هذا العويل والصراخ.
لم تعد الأخبار تؤذي المعرفة فقط، بل اصبحت اداة تهشيم يومي، بل وفي كل ساعة وفوق هذا وذاك اصبحت مصدرا للتخوين والتخويف وللإذلال احيانا والحذر من المجهول.
مقالات ذات صلة
رأي الوطن: أسواق تثري التعريف بالمقومات السياحية
25 أبريل,2018
مؤسساتنا : بين تقديم الخدمة وتأسيس مواطنة المواطن
25 أبريل,2018
باختصار: ياعذابنا !
25 أبريل,2018
المسرح في أدب صدقي إسماعيل ١ ـ ٢
25 أبريل,2018
البقاء لمن يفكر ويبدع ويبتكر
25 أبريل,2018
رأي الوطن: ثروة وطنية ينبغي صيانتها وإنماؤها
24 أبريل,2018
الأكثر قراءة
- الكويت : نتعامل مع السفارة الفلبينية وفق الإجراءات التصاعدية
- فعاليات الأسبوع التعريفي بالكلية العسكرية التقنية
- الذكاء الاصطناعي محور تركيز (كومكس 2018)
- افتتاح فعاليات معرض الاتصالات وتقنية المعلومات «كومكس 2018»
- الخام العماني فوق 70 دولاراً والأسعار العالمية تهبط مع زيادة أنشطة الحفر الأميركية
- الأمين العام بوزارة الدفاع يتوجه إلى تركيا
- مركز الأمن البحري ينفذ تمرين الأمن البحري 2018 بالدقم
- جمعية دار العطاء الخيرية تنقل تجربتها فـي مجال حوكمة أدائها المؤسسي
- 26 ورقة بحثية تسرد سيرة العلامة الشيخ منصور بن ناصر الفارسي في الندوة الدولية بجامعة نزوى
- 68.2 مليون ريال عماني قيمة الأسماك المنزلة بالصيد الحرفي بنهاية الربع الأول