[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
هل يرسم الاتفاق المؤقت على وقف العمليات العدائية في سوريا الذي توصلت إليه روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية حدود المصالح بين الدولتين وحلفائهما في سوريا والمنطقة، وبالتالي إلزام موسكو وواشنطن حلفاءهما بوقف العمليات؟ أم أن واشنطن سعت وراء هذا الاتفاق إلى إعطاء تنظيمات الإرهاب غير تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيين الوقت اللازم لاستعادة أنفاسها، ومن ثم إعادة فرزها وتنظيم صفوفها وإمدادها بالأسلحة النوعية كالصواريخ المضادة للطيران، وجمع المعلومات الاستخبارية استعدادًا لجولة أخرى من تصعيد المواجهة، خاصة في ضوء عدم رغبة الولايات المتحدة ولا حلف شمال الأطلسي خوض مواجهة مع روسيا تتدحرج إلى حرب عالمية ثالثة حذر منها رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف؟
عند إمعان النظر في الاتفاق شكلًا، نجد أنه يمكن أن يوفر فرصة حقيقية للذهاب نحو الحل السياسي، ذلك أن وقف العمليات العدائية سيسمح للمدنيين بالبقاء في منازلهم وقراهم ومدنهم، وسيسمح للنازحين بالعودة أيضًا، وإدخال المساعدات الإنسانية، بشرط أن تتوافر الضمانات اللازمة لنجاحه. لكن عند التدقيق في مضمون الاتفاق نجد أن بنوده من الصعوبة بمكان تطبيقها، وهذا ما أقر به أيضًا البيت الأبيض. فالاتفاق استثنى تنظيمي "داعش والنصرة" وهذا يعني ـ حسب التصنيف الأميركي ـ أن واشنطن ما زالت تصر على التمييز بين نوعين من الإرهاب (متطرف) يتمثل في "داعش والنصرة" و(معتدل) يتمثل فيما عدا هذين التنظيمين وهو ما تطلق عليه مسمى "معارضة معتدلة". وهذه مغالطة ـ في الحقيقة ـ مفضوحة ومكشوفة، ذلك أنه أولًا لا يوجد إرهاب "معتدل" وإرهاب "غير معتدل"، وثانيًا الإرهاب المعتدل أو ما تسميه واشنطن "المعارضة المعتدلة" جزء لا يتجزأ من الإرهاب المتطرف، بل إن كل التنظيمات الإرهابية (المتطرف منها والمعتدل حسب التصنيف الأميركي) وفي مقدمتها "داعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام" خرجت من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي، وتمارس كلها الأعمال الوحشية والموبقات نفسها، سواء بحق الشعب السوري أو بحق مؤسسات الدولة السورية. ومن ينظر إلى خريطة انتشار هذه التنظيمات الإرهابية على الجغرافيا السورية يجد أنها تشترك جميعًا في السيطرة على مناطق النفوذ. فمحافظة إدلب ـ على سبيل المثال ـ خاضعة لسيطرة ما يسمى "جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرهما" التي تشكلت تحت ما يسمى "جيش الفتح"، ومنطقة أعزاز في مدينة حلب خاضعة لسيطرة ما يسمى "أحرار الشام والسلطان مراد ونور الدين زنكي" بالإضافة إلى ما يسمى "جبهة النصرة" التي قامت المدفعية التركية مؤخرًا بانتهاك السيادة السورية بقصفها أراضي حلب بهدف التغطية على قيام حكومة حزب العدالة والتنمية بنقل إرهابيي "النصرة" من إدلب إلى بلدات في الريف الحلبي لمنع تقدم الأكراد نحو بلدة تل رفعت التي سقطت ـ رغم القصف التركي ـ وتعزيز الخزان الإرهابي الموجود بها وببلدة أعزاز بإرهابيي "النصرة". وقد تابع العالم بأجمعه محاولات المتآمرين تعويم إرهاب "جبهة النصرة" ودمجها في ما يسمى "المعارضة المعتدلة"، لماذا؟ لأنهم مثلما راهنوا على إرهابها منذ بداية الأحداث في تغيير كفة الميدان والتخريب والتدمير والتهجير والقتل والعنف، وعَدُّوها جزءًا أصيلًا من "الثوار" و"المعارضة" (حسب كلمة أحمد معاذ الخطيب في ما يسمى مؤتمر أصدقاء سوريا بتونس)، يراهنون عليها أن تكون جزءًا أصيلًا من ما يسمى "المعارضة المعتدلة"؛ لأنها ـ كما يعتقدون ـ القوة الضاربة في مواجهة الجيش العربي السوري وليس في مواجهة تنظيم "داعش". كما أن بقية التنظيمات الإرهابية بدون "جبهة النصرة" على الأقل تبقى مكشوفة وضعيفة بالمقارنة مع قدرات الجيش العربي السوري.
الأمر الآخر، من يضمن التزام التنظيمات الإرهابية بوقف العمليات العدائية، وعدم سعيها لأخذ مساحات من الأراضي؟ وهل ستكون الآليات الواردة بنص الاتفاق كافية وفعالة لضمان عدم خرق الهدنة من جانب تلك التنظيمات؟ فمن غير المستبعد أن يتم دس عناصر في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش العربي السوري لتقوم بعمليات عدائية ضد التنظيمات الإرهابية والعكس صحيح وسط تبادل للاتهامات. كما أن عملية الفك والتركيب لجميع هذه التنظيمات الإرهابية من جديد ستواجه صعوبة بعد عملية الصهر التي قام بها التركي والخليجي في إدلب وحلب والقلمون والزبداني. إضافة إلى أن تنظيمي "داعش والنصرة" لن يقفا مكتوفي الأيدي، بل سيعملان على خلط الأوراق والتشويش، وربما قيام الكثير من عناصرهما بالاندساس وسط التنظيمات الإرهابية الأخرى هربًا من الاستهداف.
من الواضح، أن الأميركي وحلفاءه الأطلسيين، بعد وصولهم إلى القناعة بعدم جدوى التدخل البري أو تزويد تنظيمات الإرهاب بأسلحة نوعية كالصواريخ المضادة للطيران لما سيرتبه ذلك من حرب عالمية ثالثة على أرض سوريا، ومن ثم خشيتهم من تبعاتها ليس على مصالحهم فقط ، وإنما على كيان الاحتلال الصهيوني الذي سيدفع ثمنًا لا محالة والذي تُخاض المؤامرة على سوريا والمنطقة من أجل تأمين بقائه وهيمنته، سواء بانتقام محور المقاومة أو وصول الأسلحة النوعية للمقاومة الفلسطينية وخاصة الصواريخ المضادة للطيران، ولذلك، لم يجد الأميركي والأطلسيون مخرجًا ملائمًا سوى هذه الهدنة التي يحاولون من ورائها الاستيلاء على الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيمي "داعش والنصرة" وتسليمها إلى ما يسمى "المعارضة المعتدلة" لتكون فيما بعد ورقة ضغط يمكن صرفها في السياسة وللابتزاز، أو قواعد تمركز وتحرك ضد الجيش العربي السوري والدولة السورية بأكملها، لاسيما وأن المراهنة تتجه إلى الإدارة الأميركية الجديدة في تبديل الاستراتيجية والخطط تجاه سوريا وحلفائها. أما على الجانب الآخر بالنسبة لموسكو ودمشق ومن معهما من الحلفاء، فستتيح لهم الهدنة ـ دون شك ـ رؤية الجغرافيا السورية من جميع الزوايا ومعرفة حدود "التطرف والاعتدال" ومساحتهما، ما يسهل التعامل معهما.