نـزوى – من سالم بن عبدالله السالمي:
ألقى فضيلة الشّيخ الدّكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسّلطنة مساء أمس الأول بجامعة نـزوى محاضرة دينية بعنوان ( الجديد في إعجاز القرآن الكريم) والتي تأتي ضمن محاضرات سلسلة "مشارق الفكر" الّتي تنظّمها الجامعة خلال الموسم الثقافي العاشر وإحتفاء بمرور عقدٍ من عمر الجامعة.
وقد استهل فضيلته المحاضرة بتوضيح سبب انتقائه لهذا الموضوع، حيث أشار إلى أنّه اختار هذا الموضوع للفت الأنظار والتّجديد أو طرح ما هو جديد في هذه القضية الجديدة القديمة وقال: إنّ موضوع إعجاز القرآن هو من الموضوعات الّتي ينبغي للمسلم أن يتأمل دومًا فيها، وأن يتقنها وأن يحرص على الاستفادة من كل ما يصله بكتاب الله –عزّ وجلّ- ثم يصله بعد ذلك بالخالق المنزل لهذا الكتاب العزيز، و تناول فضيلته عدة محاور، بدأها بإطلالة سريعةٍ في معنى الإعجاز، أوضح فيها أنّ الإعجاز في الاصطلاح الشرعي وعلوم القرآن يتّصل بالمعجزة والمعجزة هي ما ييسره الله تعالى على يد من يبعثه بدعوته من رسله إلى خلقه من أمر خارق للعادة لا تتوصل إليه طاقات البشر يكون مصدّقًا لدعوى الرسول. وأضاف أن للمعجزة شروطًا خمسة هي أن تكون مما لا يقدر عليه البشر من العادات وأن تكون مقرونةً بدعوى الرّسول وأن لا يقدر أحد أن يأتي بمثلها. وقال: إنّ القرآن هو وحي الله المنزل على عبده محمّد صلى الله عليه وسلم المعجز المتعبّد بتلاوته فكونه وحيًا من الله تعالى هو الأصل في القرآن وكونه معجزًا هو صفةً أخرى إضافية أصيلة ملازمة للقرآن، ثمّ معجزة القرآن معجزة باقية خالدة تتصف بالديمومة والبقاء.
وأشار فضيلة الشّيخ الدكتور كهلان الخروصي إلى بعض الحكم من كون القرآن الكريم معجزًا، منها أنّه جاء لإظهار أنّ هذا الكتاب حقّ وهو أجلى معاني كون القرآن معجزة (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) وأنّه يثبت صدق نبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول صدق من عند ربه جلّ وعلا ثمّ إنه ليس من عند محمد عليه الصلاة والسّلام وليس من صنع أحد من البشر وإنما هو من عند الله سبحانه وتعالى وحده واستشهد لتلك الأوجه من الحكم بقوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) ومن إعجاز القرآن أيضًا أنّه يثبت النبوات السّابقة وأنّه جاء للعموم والشمول (إن هو إلا ذكر للعالمين). وأوضح فضيلة الشّيخ أنّ كلمة الإعجاز هي كلمة حادثة لم تكن في الصدر الأول للإسلام، لكنها تعبيرٌ عن ما في هذا الكتاب العزيز من بيان يفوق بلاغة الفصحاء ومن بلاغه تزيد على فصاحة أهل البيان والأدب فحينما نتحدّث عن الإعجاز فإنما نتحدّث عن بيان القرآن وبلاغته. وقال: إنّ النظر في إعجاز القرآن حقّ لكلّ المسلمين فكل مسلم مأمورٌ أن يتدبر آيات الكتاب العزيز ليستجلي منها أوجه الإعجاز والبيان لكن عليه أن يؤهّل نفسه لكي يتمكّن من بلوغ هذه المرحلة، ولا يصحّ أن يظلّ حال المسلمين بعيدًا عن إمعان النظر والتدبر في آيات القرآن الحكيم في محاولاتهم في استنباط كل ما فيه من مكنونات وجواهر تحيي في أنفسهم الإيمان، وتصلهم بالباري –سبحانه وتعالى ولا يصحّ أن تتوقف أفهام المسلمين وأنظارهم عن استجلاء هذه المعاني وأوجه الإعجاز من كتابهم.
وفي المحور الثاني من المحاضرة أجاب مساعد المفتي العام للسّلطنة عن سؤال مفاده: هل إعجاز القرآن هو التحدّي؟ مشيرًا إلى أنّه من الصعوبة بمكان وصف هذا الإعجاز بالتّحدّي، فلا يتناسب معنى التحدي اللّغوي مع كون أن القرآن هو هداية للعالمين، اللهم إن كان المراد منه المعنى المجازي للتّحدي من حيث إنّ القرآن طالب النّاس بأن يأتوا بسورة من مثله. وتطرّق فضيلته إلى واقع المسلمين اليوم في ما يتصل بإعجاز القرآن الكريم، موضحًا أنّ هناك فجوةً كبيرةً بين المسلمين وكتابهم من حيث تلمّسهم للمعاني الدّفينة في كتاب الله، وما يبعث في نفوسهم حبّ هذا الكتاب وما يدعوهم إلى ملازمته ومجالسته والإكثار من تلاوته وتدبّره. وقال: إنّ كثيرًا من النّاس يظنون أن موضوع إعجاز القرآن إنما هو من اختصاص العلماء والنبغاء فقط، وأنه أمر تاريخي انقضى أوانه ولم يبق منه شيء لأن العلماء المتقدمين أتوا فيه بكل شاردة وواردة. وهذا الكلام غير صحيح، وما أريد للقرآن أن يكون كذلك لا في هدايته ولا تشريعه ولا إعجازه ولذلك فإن صفة الإعجاز للقرآن الكريم تتّصف بالديمومة كما هو الشأن في القرآن الكريم ذاته. وأوضح أنه لا بد للمسلمين في كل عصر وجيل أن يعملوا ملكاتهم وأن يسخروا علومهم في فهم الكتاب العزيز واستجلاء مكنوناته وجواهره. ومن بين النظرات الّتي عرضها فضيلة الشّيخ أن القرآن جاء فيه حسن تأليف الحروف والكلمات والجمل، وجزالة المعاني، والتأثير الصوتي، ومخاطبة العقل والعاطفة والرّوح، إلى جانب براعة التّصوير. كما شرح معنى قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) وتكرارها في القرآن.
أمّا المحور الثّالث من المحاضرة فقد ضرب فيه فضيلة الشّيخ عدّة أمثلة على إعجاز القرآن، منها قوله تعالى في سورة المائدة: (ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، وبيّن أن في هذه الآية علاجًا للإدمان فقد بيّنت الآية دواء له وذلك من خلال توفير البيئة السّليمة الصحيحة، وأن يخرج من البيئة الموبوءة وقرناء السوء، فالآية تشير إلى ضرورة توفير البيئة السّليمة ليتم العلاج إلى غير ذلك من الإشارات القرآنية التي فيها العلاج للإدمان من الذكر والصلاة وغيرها. ثمّ عرض فضيلته لمثال آخر هو الآيات الخمس الأولى من سورة العاديات حيث إنها جاءت مبيّنةً لحالة الحرب ولحظة المواجهة (فالمغيرات صبحًا) وأوضح أنّ هذه الآيات الخمس إذا تدبرنا معانيها واستجلينا أسرارها لوجدنا أنها خلاصة لما يتم تدريسه في الكليات العسكريّة من فنون الحرب. وأفاض الشيخ بعددٍ من الأمثلة القرآنية المعجزة وكيف علينا أن نتأملها ونتدبرها ومن ذلك آية الكرسي أعظم آية في القرآن حيث إنها تكوّنت من تسع جمل تتناسب فيها كلّ جملة مع ما يقابلها من جملة في آخر الآية.
وختم فضيلة الشّيخ الدّكتور كهلان نظراته بتنبيهات حول الإعجاز في القرآن الكريم، وقال إن الإعجاز خاصية ملازمة للقرآن الكريم فهو معجز كله إلا أن أوجه الإعجاز موزّعة في آياته وسوره ولكنه جميعا معجزة البيان والبلاغة وأنّ القرآن كتاب هداية ورحمة وإرشاد للإنسانية ونبه على أنّه لا بد أن يكون بيان أوجه الإعجاز من قبل أهل العلم الأكفاء المؤهلين أو أن يعرض على الهيئات المختصة قبل نشره وحذر من أن تعرض آيات القرآن للفرضيات العلمية والنظريات غير الثابتة وأوضح أن تذوق جمال القرآن وبيانه وهو متلو قبل أن يكون مكتوبًا؛ لأنّ القرآن لم ينزل مدوّنا بل كان متلوًّا.
وفي ختام المحاضرة فتح باب النقاش للحضور، حيث شهد تفاعلا كبيرًا من الحضور.
حضر المحاضرة الدّكتور أحمد بن خلفان الرّواحي رئيس الجامعه والهيئة الأكاديمية والتدريسية والإدارية وطلية وطالبات الجامعة وجمع غفيرة من الحضور.