مقدمة:
استطاعت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة - رغم قلة امكانياتها المادية وعبر نضالات مستمرة توجت بعدد كبير من الشهداء وعبر خطوات نضالية حكيمة ومنسجمة مع الواقع والمتطلبات "تارة بالخطوات التكتيكية وأخرى بالاستراتيجية، وبالوسائل السلمية والحرب النفسية والعنيفة، وبالحوارات والاضرابات والمواجهة وترجيع الوجبات، والحرب النفسية، والتواصل بين القلاع الأخرى للسجون والمعتقلات ، ومع المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية في الخارج ومع الجماهير" أن تحقق انجازات كبيرة .

وبالكثير من التضحيات انتقلت الحركة الأسيرة من ضعف التجربة إلى الخبرة والقيادة، ومن العجز إلى الاعداد والريادة، ومن الاستهداف إلى الحماية والأمن، ومن غياب الكادر إلى إعداد القادة، وتم الانتقال من مرحلة إلى أفضل، من العفوية وفقدان الاتزان، إلى مرحلة بناء الذات والتجربة والخطأ، إلى مرحلة التكوين التنظيمى ومأسسة البنى التنظيمية، إلى مرحلة البناء وسيادة السلطة التنظيمية، إلى مرحلة النضال الشامل والنضج والمخاض والانتصار والعزة والكرامة وتحقيق معادلة الرعب مع طواقم إدارة مصلحة السجون، ومن ثم الوصول إلى حالة حقيقية من الابداع على كل المستويات التنظيمية والإدارية والثقافية والمالية والأمنية والخارجية، والعلاقات الفصائلية والتأثير الايجابي خارج السجون .
في هذه الدراسة سيتطرق الباحث إلى الوسائل النضالية التي استخدمها الأسرى للنهوض بواقعهم، وفي مجابهة السياسات الاسرائيلية بالوسائل النضالية التكتيكية كالمراسلات والحوارات ومقاطعة رجالات الإدارة والعيادة والاستراتيجية كالاضرابات المفتوحة عن الطعام والاضراب عن التدخين والزيارات والنزهة والحلاقة والعمل، وبالوسائل السلمية والعنيفة.
الوسائل النضالية :
أولاً : وسائل سلمية: وتنقسم إلى قسمين تكتيكية واستراتيجية .
1- وسائل سلمية تكتيكية :
أ - المراسلات والحوارات :
فى أعقاب اعتراف إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية بالتمثيل الاعتقالي، والتعاطي مع ممثلي الفصائل، واللجنة الوطنية العامة التي تناقش أوضاع الأسرى وتبلور القرارات بالتراضي أو بالأغلبية وفق سياسة متعارف عليها فى كل معتقل، ومع لجنة الحوار التي تجتمع بإدارة السجن لمناقشة مطالب الأسرى والأوضاع بشكل عام ، ومع كبار رجالات إدارة مصلحة السجون التي تأتي من خارج السجن، أصبحت وسيلة النضال الأولى للتفاهم هي تقديم الطلبات والمراسلات، والحوار المباشر عن طريق ممثل المعتقل كحلقة وصل بين الأسرى الذين يمثلهم، أو عبر مندوبي الفصائل وموجه القسم في القضايا الميدانية الداخلية.
أ‌- ارجاع الوجبات:
في حال تجاهل مطالب الأسرى في أي قضية ملحة، أو التسويف والمماطلة في الردود عليها، تبدأ اللجنة الوطنية العامة ببلورة خطوات نضالية تكتيكية بارجاع بعض وجبات الطعام قد تصل ليوم كامل كرسالة احتجاجية وتحذيرية في نفس الوقت بامكانية تصعيد الأوضاع وترشيحها للانفجار.
ج‌- مقاطعة رجالات الإدارة:
كثيراً ما يمارس بعض السجانين بحق الأسرى ممارسات عنيفة بقصد الإهانة وقت التفتيشات، أو انتقامية وقت المواجهات والقمعات، أو غير مقبولة مع الأهالى وقت الزيارات، مما يضطر الأسرى بتبليغ إدارة السجون بمقاطعة ذلك السجان، ويطالبونها بعدم دخوله للأقسام، مبلغين بعدم المسئولية عن أى خطر يتهدده، " وغالباً ما كان هذا الأسلوب مجدياً وفاعلاً يؤدي إلى تأديب أولئك السجانين الذين كانوا يتعرضون لضغوط نفسية شديدة أثناء فترة مقاطعتهم، وكثيراً ما جاء بعض هؤلاء إلى المعتقلين راجياً فك المقاطعة الاجتماعية عنهم.
د - مقاطعة العيادة :
عشرات الشهداء كانوا نتيجة الاهمال الطبي، وتأجيل العمليات الجراحية الضرورية، وعدم القيام بالفحوصات المخبرية، وتجريب الأدوية على السجون، وعدم توفير العلاجات المناسبة والاكتفاء بحبة الأكامول السحرية، ونتيجة لهذا الواقع أضرب الأسرى وخاصة المرضى منهم عن تسلم الأدوية من الممرض، أو النزول للعيادة، أو مراجعة ما يسمى بمشفى سجن مراج – الرملة، " وكثيراً ما أجدى هذا اللون من الاضرابات، وشكل عامل احراج للادارة، وساعد هذا الاسلوب في تطوير معالجة الجهاز الطبي للأسرى والمعتقلين المرضى والجرحى.
2- وسائل سلمية استراتيجية: بدأ الأسرى خطواتهم النضالية السلمية بعدد من الخطوات الاحتجاجية كردات فعل على بعض المواقف، فامتنعوا عن التدخين رداً على موقف لإدارة السجون بعدم إدخال السجائر عن طريق الأهل، وامتنعوا عن الزيارات لتأليب الرأي العام وإثارة قضاياهم عن طريق احتجاج الأهالي من خلال المظاهرات والمواجهات والضغط على الصليب الأحمر الدوليي، وامتنعوا عن الحلاقة كوسيلة احتجاج مرفوضة أمنيًّا، من خلال معرفتهم باستفزاز إدارة السجون لها لعدم تمييزها لهم من خلال الأرقام والصور الشخصية عند الوقوف على العدد وتشخيص المعتقلين، وامتنعوا عن ساعات النزهة كحالة احتجاج على ظروفهم المعيشية، وكانت تلك الخطوات متفاوتة التأثير على إدارة مصلحة السجون، وتميزت بالقوة والضعف، ولكن التجربة أثبتت أن أقوى وسائل الاحتجاج السلمى كانت من خلال الاضرابات المفتوحة عن الطعام وخاصة الجماعية ، التي سيتناولها الباحث بالتفصيل في المبحث الاول من الفصل الرابع ، وللقليل من التفصيل فى الوسائل السلمية :
أ - الاضرابات المفتوحة عن الطعام :
يعتبر هذا الأسلوب من أفضل الأساليب التي يلجأ إليها المعتقلون داخل السجون ، وهو سلاح استراتيجي فتاك، وقد أثبت هذا السلاح فاعليته خلال المسيرة الاعتقالية، منذ سنواتها الاولى وحتى يومنا هذا .
فالاضراب المفتوح عن الطعام ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو الخيار الأخير، غير المفضل لدى الأسرى، وتلجأ اليه الحركة الأسيرة بعد استنفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية، ويسبق الاضرابات المفتوحة عن الطعام سياق طويل من التحضيرات والتجهيزات الأولية والأساسية، كالاعداد النفسي والذهني، والتعبئة الفكرية، وتهيئة المناخ المناسب لضمان نجاحها، اضافة إلى حسن اختيار التوقيت.
ويشكل الاضراب عن الطعام الأداة الأقوى من بين الأدوات النضالية التى استعملها المعتقلون في المحطات المفصلية، ولقد لجأوا إليه لأول مرة فى معتقل نابلس عام 1968 م، ثم معتقل عسقلان في العام 1970 م ، حيث استشهاد الأسير عبد القادر أبو الفحم الذي يعتبر أول شهداء الحركة الوطنية الأسيرة ، وهنالك أهداف ومسميات للاضرابات المفتوحة عن الطعام منها : " الاضرابات الاحتجاجية ، والتضامنية ، والمطلبية ، والسياسية ، ومنها الجماعية والفردية ، ومنها على الماء والملح فقط، وأخرى مع تناول المدعمات من المحاليل والفيتامينات" .
ب - الإضراب عن التدخين :
قام الأسرى في سجن نفحة بشكل جماعي، وبعض السجون الأخرى بشكل جزئي في سجني عسقلان وغزة بهذا الشكل من الاضراب ردا على منع إدارة مصلحة السجون إدخال السجائر عبر الزائرين، وبدأ الاقلاع الجماعي في نفحة عن التدخين في الأول من فبراير 1990 م، واستمر الأسرى فيه ما يقارب التسعين يوماً ، وفي أعقاب توقفه تم وضع آلية اعتقالية في صرف الدخان، وبعد فترة تم إدخال السجائر عبر الأهالي.
ج‌- الاضراب عن الزيارات :
إضراب الأسرى عن زيارات الأهل هو شكل من أشكال النضال لإجبار إدارة السجون على توفير متطلباتهم الضرورية، أو لانتزاع حقوقهم الأساسية المسلوبة، ولقد قام الأسرى بإضراب شامل عن الزيارات في العام 1973 استمر ثمانية شهو، غير أن حرب أكتوبر سرقت أضواء الاعلام عنه، وتم إنهاء الاضراب بوعود تحسين بيئة الاعتقال وتحسين شروط الأسرى، وأهم أهداف خطوات الاضراب عن الزيارات هو الاحتجاج على ما يتعرض له الأسرى من انتهاكات مثل عقاب بعض الأسرى وفق تصنيفهم التنظيمي أو المناطقي، كما حدث في زيارات قطاع غزة في يونيو 2007 ، وما يتعرض له ذوو الأسرى من مضايقات خلال الزيارات ، وبسبب التفتيشات الاستفزازية التي تفرض عليهم أثناء دخول الأهالي بوابات السجون وغرف الزيارات وعلى الحواجز، وتحمل هذه الخظوة دلالات ومعاني كبيرة، فهي بمثابة صرخة قوية يُراد منها "دق جدران الخزان" لتحسين ظروف الأسرى وذويهم عبر الزيارات واستخدمت الحركة الأسيرة هذه الوسيلة النضالية لأول مرة في معتقل نابلس في العام 1968 .
د‌- الإضراب عن الحلاقة :
لجأ الأسرى والمعتقلون إلى هذا الشكل من الاضرابات عندما كانوا فى بداية صنع التجربة الاعتقالية ظناً منهم أن مثل هذا الأسلوب قد يشكل عامل ضغط على سلطات السجون، ولجأت الأخيرة إلى قمع الأسرى بالقوة فكانت تحلق لهم ذقونهم بالزرنيخ الذي كان يترك رائحة كريهة تلازم كل معتقل فضلاً عما يسببه ذلك من آلام وتشويهات جلدية ، وأحياناً كانت تلجأ إلى استخدام شفرات الحلاقة ، وكانت تتصبب الدماء من وجوه الأسرى نتيجة الجروح ، التى كان السجانون يحدثونها فى وجوههم بشكل متعمد.
ه- الاضراب عن النزهة :
مرات عدة استخدم الأسرى هذه الوسيلة فى خطواتهم النضالية ، وكان أول الاضرابات على هذه الطريقة فى العام 1968 بسجن بيت ليد " كفاريونا " عندها امتنع الأسرى عن الخروج إلى ساحة التجوال طوال شهرى اكتوبر ونوفمبر من ذلك العام ، احتجاجاً على ظروف الحياة المعيشية في المعتقل.
و- الاضراب عن العمل :
كانت قضية إلزام المعتقل على العمل داخل السجن أو في ورش قريبة من السجن أكثر أوجه التعامل القاسى مع المعتقلين، فقد كان العمل في ورش تتبع شركات خاصة في اسرائيل، وصل لاجبار الأسرى على العمل في صناعة شبك للدبابات ، وتم ايقاف هذا الأمر لرفض الأسرى العمل به بفضل دم الشهيد الأسير عمر الشلبي الذي سجل للعمل ، وقام بتحطيم كل تلك الأدوات واستمروا في ضربه حتى اسستشهد، ولم يتبق مع الأسرى من مرافق العمل الا ما يخدمهم كالمطابخ والممرات " مردوان " والمغاسل ومرافق الحلاقة والخياطة والمكتبة والنظافة العامة فى الأقسام.
وفي كثير من الأحيان ما استخدم الأسرى تلك المرافق للضغط على الاحتلال في بعض الخطوات الاحتجاجية التى تؤثر على إدارة مصلحة السجون وتعمل على ارباكها وقت توزيع الطعام على الأسرى وغير ذلك .
ز - تجنيد السجانين :
فى مقابل محاولات إدارة السجون فى تجنيد العملاء لصالحها ، استطاع الأسرى تجنيد بعض السجانين للقيام بمهمات تخدمهم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر دوَن الأسير العربى المحرر الشهيد سمير القنطار في مذكراته بعنوان " قصتى " كيف استدرج أحد السجانين لتهريب هاتف نقال له ، فقال : قمت ببناء ثقة مع السجان من خلال عدة محادثات عن وضعه المال وأدركت حاجته للمال ، وبعد الكثير من المحادثات وبناء الثقة ، ناديت الشرطي ليأتي إلى زاوية مطمئنة في الممر ، همست له : أريدك أن تمرر لي هاتفاً ، فتراجع مصدوماً من الطلب ، فتردد في البداية ، وفكر في المبلغ المغري ثم وافق، واتفقت معه أن أعطيه : 2500 دولار عندما يتسلم الهاتف ، و 2500 دولار بعد ان يسلمني اياه، وبعثت لرفيق لي خارج السجن رقم هاتف الشرطي كي يتم التنسيق بينهما على مكان تسليم الهاتف وزمانه ، وبالفعل تم ذلك ، ووصلني الهاتف عن طريق الشرطي في 1/11/2005.
قصة أخرى في تجنيد إحدى السجانات دونتها الأسيرة الفلسطينية دلال أبو قمر، وهي من أقدم الأسيرات اللواتي اعتقلن عقب نكسة عام 1967م ، تصف ما حدث معها بعد أن أشبعها ضباط التحقيق ضرباً وشبحاً وإجبارا على الوقوف لساعات طويلة بأوضاع صعبة ومنعاً من النوم، ولكنها رفضت الاعتراف بما يطلبون ، وقد تم تجريدها من ملابسها تماماً، وجاءوا بأحد الأسرى الفلسطينيين وطلبوا منه اغتصابها لكنه أغمض عينيه، وقال لدلال بصوت يسمعه الجميع " اصمدي يا دلال فأنا والله لا أرى منك شيئاً"، وتضيف دلال أنها تعرضت لشتى صنوف التعذيب، ومنها الإحراق بالنار، وأعقاب السجائر التي ما زالت آثارها بادية على جسدها ، ومن الحكايات المدهشة و النادرة التي كشفت عنها دلال أنها نجحت في تجنيد إحدى حارسات السجن في العمل لصالح التنظيم، حيث تقول: "رأيت المجندة في المرة الأولى أثناء التحقيق معي حيث كُنت أتعرض للتعذيب والإذلال، ومورست ضدي سياسة التعرية، وكانت المجندة على مقربة مني وعيناها تفيضان بالدموع ، وبقيت الفتاة في ذاكرتي، وعلمت بعد انتهاء التحقيق وانتقالي للمعتقل أنها يهودية هندية، فطلبت منها أن ترسل رسالة إلى إحدى الأسيرات في زنزانة أخرى، فقبلت، ثم توالت الرسائل التي تصل من خلالها إلى أن تم تجنيدها رسمياً لصالحنا، ونجحنا فيما بعد في تجنيد عدد آخر من حارسات السجن، إلا أن الأمر لم يستمر بهذه السهولة، وقد علمنا فيما بعد أن المجندة الهندية اكتشف أمرها، وألقي القبض عليها، ثم حوكمت محاكمة عسكرية".
3 - الحرب النفسية : تتبع الوسائل السلمية وفى غالب الأحيان تتطور لتكون عنيفة مثل:
أ‌- التهديد بحل التنظيم :
حل التنظيم يعني نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ، انهاء لمرحلة الحوار والانضباط والاستقرار من قبل الأسرى ضمن معادلة تم الاتفاق عليها ضمناَ بين الأسرى وإدارة السجون ، للدخول في مرحلة اللا حوار والفوضى والتصرفات الفردية غير المسؤول عنها التنظيم ، والتي تعطي الحق لأي أسير أن يجتهد بطريقته ووسيلته للدفاع عن ذاته والأسرى، فحل التنظيم يعني التصعيد مع إدارة السجون ، وبداية عصيان منظم، يبدأ بإدخال عمال المرافق (كنتين، محلقة، مكتبة، مغسلة، عمال المردوان) ، بالإضافة لدخول المفوض بالحديث مع الإدارة داخل القسم ، وتصل الأمور بقطع الحديث مع إدارة السجن.
استخدمت الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة الجهاد الإسلامي هذه الوسيلة في سجن ريمون في فبراير 2015 في أعقاب نقل ممثلهم بشكل تعسفى وبلا مبرر، وفي أعقاب حل التنظيم قام الأسير حمزة أبو صواوين (22 عاماً) ؛ بتنفيذ عملية طعن لضابط داخل سجن ريمون مما جعل الادارة في حالة ارباك وخوف وعدم استقرار نتيجة هذه الحالة من الفوضى.
ب‌ - تهديد رجال الادارة :
يلجأ الأسرى في بعض الأحيان لتهديد سجان ، بسبب انتهاك غير بسيط بحق الأسرى أو الاعتداء على أحد الأسرى وقت تفتيش معين، وغالباً ما تأخذ إدارة مصلحة السجون بمثل هذه التهديدات ويتراجع السجانون عن تصرفاتهم ، لعملهم بجدية تلك التهديدات التي يعقبها اعتداءات ، ويتعامل الأسرى بهذه الطريقة على قاعدة " أن لا راحة للسجان ما دمت تعباً، لان جل هم السجان هو لحظة العودة الى البيت ولقاء أبنائه، فلماذا يعود الى اسرته آمناً مطمئناً بينما الأسرى يعانون ".
ثانياً: وسائل عنيفة: وتنقسم قسمين عنيفة تكتيكية وعنيفة استراتيجية :
1- وسائل عنيفة تكتيكية :
أ - التكبير والطرق على الأبواب :
تعتبر وسيلة مكررة وشائعة، ففي كثير من الأحيان يصل الحد من جانب إدارة السجون للتجاهل المقصود للأسرى في حالات مصيرية قد تودي بحياة أحد الأسرى المرضى التي تستدعي حالته النقل إلى العيادة أو المستشفى، حينها يبدأ الأسرى بالتكبير والطرق على الأبواب والاعلان عن حالة استنفار حتى يجبروا الادارة على الحضور ونقل الأسير المريض لتلقي العلاج ، وقد تكون تلك الوسيلة ممنهجة من جانب الأسرى كحالة نضالية ضمن مشروع طويل متفق عليه بين الفصائل، ففى أحداث 11/9/1985 في سجن عسقلان واجه الأسرى السجانين بالطرق على الأبواب مستخدمين في ذلك كل ما وقع في ايديهم من قطع الصابون والصحون وقطع القماش الملتهبة ، وبكل ممتلكات الأسرى وما تواجد في الغرف أدوات للطهي، وقد كان صدى الصوت الصادر عن طرق الأبواب يشبه مرابض المدفعية عند اهتزازها من جراء قذف القنابل والحمم ، وقامت بعض الغرف في أعقابها باشعال النيران في الفرشات والملابس مما أدى إلى تصاعد الدخان من الغرف بشكل كثيف أدى إلى حالات اختناق وإلى حالة عجز من فعل شيء من جانب ادارة مصلحة السجون حتى استدعت قوات من الخارج للسيطرة على السجن، الأمر الذي تكرر عشرات المرات في كل السجون والمعتقلات الاسرائيلية.
ب - القضاء على مظاهر الاستفزاز :
تتبع إدارة مصلحة السجون فى كثير من الأحيان سياسة استفزازية للأسرى من خلال بعض الرموز كوضع صور لقادة دولة الاحتلال ، أو وضع العلم الاسرائيلى فى الأقسام ، الأمر الذى يقرأه الأسرى بابعاد نفسية ورسائل ضمنية مبطنة ، فلجأوا إلى القضاء على تلك المظاهر بالقوة ،على سبيل المثال قالت المحررة فيروز عرفة : فى الخامس عشر من آيار / مايو 1971 قامت مجندة صهيوينة تدعى" بعل " وكنا نناديها " نعل" برفع علم اسرائيل أمام غرفتنا بهدف استفزازنا ، فقررنا أن نمزقه أثناء خروجنا للفورة ، وألقيناه فى القمامة ، مما استدعى الادارة للتحقيق معنا ، وتفتيش الغرف ، ومصادرة ما فيها ، وتم ضربنا ورشنا بالغاز المسيل للدموع ، الأمر الذى تكرر فى سجن نفحة فى 26/5/2015 ، على يد الأسير أيمن الشرباتى الذى أنزل العلم الاسرائيلى المتواجد فى القسم ، وقام بحرقه مما أدى إلى حالة استنفار فى القسم ، وتم عزل الأسير لفترة طويلة.
ج- رفض الوقوف على العدد :
الوقوف على العدد ، وعدد مراته فى اليوم مر بالكثير من المراحل والأشكال منذ بدء الحركة الأسيرة ، كان أسوأها بدايات الاعتقال ، بالصحو من النوم ، وترتيب مقتنيات الأسرى من بطانيات وصحون ، وشكل الجلسة ، وعدد مرات العدد ، وطول مدة الانتظار وانتهاءها ، وشكل الرد على العدد ، وأفضله كان فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات الذى انحصر بثلاث مرات يومياً ، والوقوف على عدد الظهيرة والمساء فقط مع تحريك اليد صباحا ً، واستخدم الأسرى وسيلة عدم الرد أو الوقوف على العدد فى أعقاب الكثير من حالات الاحتجاج على قضايا وممارسات من قبل إدارة مصلحة السجون، وفي مرات أخرى رد الأسرى على العدد بأسماء شخص مريض معرضة حياته للخطر وبشكل موحد، في رسالة مفادها " نحذر جميعاً من الاستهتار الطبي بحقه "، أو التأكيد على رفض سياسة العزل الانفرادي ، كما حدث في نهاية أغسطس 2013 بالرد الموحد على العدد باسم الأسير المعزول ضرار أبو سيسي ، والرد على كارت العدد باسم القيادي " زيد بسيسي " في فبراير 2015 في أعقاب نقله بشكل مفاجئ وعقابي في سجون ريمون .
د- رفض العودة للغرف :
عدم الرجوع للغرف أثناء الخروج للفورات " ساحة النزهة " ، استخدمها الأسرى كوسيلة نضال محدودة ، ولفترة بسيطة ، قد تكون لعشر دقائق أو ما يزيد قليلاً ، تجنباً للصدام والمواجهة مع إدارة مصلحة السجون، في رسالة لادارة السجون بعدم قبول ذلك الانتهاك أو التسويف في مطلب محدد " كزيادة وقت ساعات النزهة ، وعدم قبول التفتيش العاري ، وإدخال احتياجات الأسرى عبر زيارات الأهالي ، وقضايا أخرى ، وقد يصل الأمر للتوتر والاستنفار بين الطرفين إلى حد المواجهة في بعض الأحيان .
ه - رفض التفتيشات العارية :
تعمدت إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية باتباع سياسة الاذلال والاهانة للأسرى تحت ذرائع أمنية ، ومن تلك السياسات التي سببت الكثير من المواجهات والصدامات العنيفة من جانب الأسرى وحالات الاحتجاج الجماعية هو التفتيش العاري عند دخول أي سجن أو الخروج منه ، وكان هنالك قرار اعتقالي برفض التفتيش العاري، وتعرض الأسرى نتيجة هذا الموقف للضرب الشديد والعزل الانفرادي لرفضهم هذه الأسلوب غير الانساني الممكن استعاضته بوسائل تكنلوجية بديلة .
و - رفض التفتيشات والاقتحامات الليلية :
كثيراً ما حدثت مواجهات بين الأسرى والوحدات الخاصة " على رأسها وحدة " المتسادا " لرفض الأسرى أسلوب تلك الوحدات باقتحام الغرف عليهم ، واخراج الأسرى فى البرد الشديد بعد تقيدهم لساعات طويلة ، وخلط ممتلكاتهم وملابسهم ، والاطلاع على خصوصياتهم كألبوم الصور العائلي ورسائلهم الخاصة ، وقلب كل الغرفة وتخريب كل ما فيها بحجة الأمن ، وأسفرت الكثير من الصدامات العنيفة عن اصابات بين الطرفين بجروح مختلفة .
ز - الاحتكاكات والمشادات اللفظية :
في بدايات الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة تعمد السجانون باطلاق الكثير من الألفاظ والشتائم والاهانة لعدم بلورة أشكال تنظيمية، أو خطوات نضالية ، أو وحدة موقف اعتقالي ، وبعد بلورة تلك الشروط وقوة الحركة الأسيرة ، لم يجرؤ السجان على المس بالأسرى ولو لفظياً ، واستطاع الأسرى الرد على كل لفظ لم يتقبلوه على السجان بكل ثقة ، ولو وصل الأمر للعزل أو المواجهة .
ح - استخدام الحرائق ، ولقد استهدف الأسرى أكثر من مكان للتعبير عن غضبهم كوسيلة احتجاج منها :
- حرق المنجرة في سجن بئر السبع :
في أعقاب إجبار إدارة مصلحة السجون الأسرى على فك اضرابهم الأول بالقوة والهروات والدروع في سجن بئر السبع في العام 1970، اتفق الأسرى على خطوة انتقامية كرد فعل على ذلك ، وفى 20/7/1970 قام الأسرى بحرق أكبر مرفق انتاجى فى المعتقل ، والتهمت النيران خمسة عشر الفاً من الصناديق الخشبية التى كانت معدة للتصدير ، وعجزت حينها إدارة السجن والاطفائية التى تم استدعاؤها من الخارج لاخماد الحريق ، تلك المبادرة التى أثبتت عدم القدرة على النيل من الأسرى دون ردود .
- حرق الغرف :
لجأ الأسرى مرات عديدة لتلك الوسيلة ، بشكل جماعى فى السجون ، أو بشكل فردى فى أقسام العزل ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فى 27/7/2015 أعلن الأسرى حالة التمرد والعصيان في وجه إدارة مصلحة السجون ووحداتها القمعية فى سجن نفحة ، وقاموا بحرق عدد من الغرف ، كنوع من الاحتجاج على تصرفات الإدارة تجاههم ، وذلك فى أعقاب اقتحام قوات القمع الإسرائيلية للأقسام ، مما أدى الى حالات اختناق وإصابة اثنين من الأسرى وستة سجانين بحروق.
2- وسائل عنيفة استراتيجية :
حاولت إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية ممارسة سياسة الاذلال والاهانة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ بدء الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة ، التى كان يشبع فيها السجان رغبة كراهيته وعنصريته بالاعتداء على الأسير متى شاء وكيفما شاء ، ولم يكن يدرك بأن تلك المعادلة لن تستمر طويلاً ، حتى بدأت حالة التململ فى العام 1968 ، وبلغت الأمور ذروتها بتاريخ 18/2/1969 م ، عندما قام أحد السجانين بشتم أحد الأسرى فى محاولة لاذلاله واهانته ، فرد عليه الأسير الصاع صاعين ، وهنا أقدم السجان على ضرب الأسير ، فما كان من الأسير الا أن ضرب الشرطى ، فأعلنت حالة الاستنفار داخل المعتقل [20].
هذا الوسيلة النضالية اتبعها الأسرى بشكل فردى ، أو بتغطية وبقرار تنظيمى جماعى يهدف لخلق معادلة رعب مع إدارة السجن ، التى لن تسلم من الرد حال أى اعتداء على أى أسير.
وشهد الباحث حادثتين مماثلتين فى عزل الرملة نيتسان خلال عزله تحت الأرض لعامين متتاليين من " 1990 – 1992 " فى ظروف لربما الأسوأ على مدار الحركة الأسيرة بشروط حياة غير مسبوقة، مما أدى ذلك الوضع لحالة انفجار، فقام الأسير أحمد شكري المحكوم بمدى الحياة بتشفير شرطي وحاول طعن ضابط القسم، "فقامت الادارة باقتحام الغرف، واعتدت على الأسرى، وحدثت مواجهة بين الجانبين وقع فيها جرحى من الشرطة الاسرائيلية، ومن ضمنها جرح ضابط الأمن وأخذ خمس غرز في رأسه، وتم عزل الأسير شكري بعد الاعتداء عليه بظروف قاسية جداً.
ويروي الباحث تجربة أخرى عايشها في سجن نفحة في أعقاب انتفاضة 2000 ، بعد تفتيش غير مقبول لزوجة أسير في يوم الزيارات ، يومها عمت حالة الغضب الجماعية ، ونزل تعميم داخلي بضرورة الرد ، وحضر مدير السجن للأسرى واعتذر عما حدث وتعهد بعدم تكراره ، الا أن الأسير هاني جابر من سكان الخليل لم يقف على العدد ، ليتم انزاله للمحاكمة في غرفة المدير أو نائبه بوجود عدد من طاقم الادارة ، واستطاع أن يخبئ سكين قام باعدادها بنفسه من قطعة معدنية ، وقام بطعن المدير وضابط وشرطي ردا على الحادثة، ومثل هذه الحوادث تكررت عشرات المرات ، ودفع الأسرى ثمنها الدماء وسنوات من العزل الطويلة والغرامات والمنع من الزيارات والتضحيات الجسام ، إلا أنها حافظت على الأسرى وكرامتهم ، وعززت أمام السجان عدالة قضيتهم ، وأوجدت حالة من الارباك والقلق لدى إدارة مصلحة السجون ، وقوت عزائم وإرادة الأسرى ، وتضاعفت ثقتهم بامكانياتهم وقدراتهم وأسلحتهم النضالية التي أوصلتهم لمعادلة توازن الرعب مع جلاديهم رغم قلة الامكان .


الباحث: رأفت حمدونة
مركز الأسرى للدراسات

*ملاحظة / يحتفظ الباحث بمصادر الدراسة لحفظ حقوق الملكية / ولكونها أحد مباحث رسالة الدكتوراة