كما وجدنا أن البلدان المنتجة لكميات كبيرة من النفط أو تلك التي لديها احتياطيات كبيرة (وقوة سوقية جديرة بالاعتبار) أكثر احتمالا في جذب الدعم العسكري. وأغلب ذلك كان للحفاظ على أسعار النفط في الأسواق العالمية. بل في الواقع كان هناك زيادة في متوسط حالات التدخل في الفترات التي كان فيها قليل من البلدان الكبيرة في إنتاج النفط ومن ثم تقليل المنافسة (وأسعار أكثر استقراراً).

غالبا ما تتصدر عبارة "التعطش للنفط" بوصفها تفسيرا بديهيا للتدخلات العسكرية في ليبيا على سبيل المثال أو السودان. كما يذكر أيضا أن النفط أو نقص النفط بوصفه السبب وراء عدم الرغبة في التدخل في سوريا حتى قبل أشهر وفي رواندا عام 1994.
وبالطبع فإن هذا يتعارض مع الخطاب السياسي بشأن التدخل الخارجي أو هدفه المعلن. فلم يقف أي قائد في العالم أمام الأمم المتحدة ويعلن أنه يرسل بدباباته لأن بلده بحاجة إلى مزيد من النفط. فهذه التدخلات يتم في العادة تصويرها على أنها تخدم بشكل مباشر أهدافا غير اقتصادية مثل الحفاظ على الأمن أو دعم القيم الديمقراطية أو الترويج لحقوق الإنسان في الغالب الأعم.
غير أنه في الغالب ما يواجه ذلك بالشكوك وتدعي وسائل الإعلام أن الدوافع الاقتصادية تلعب دورا رئيسيا. فهل ما حدث بشأن العراق كان كله في الواقع بسبب النفط؟ وهنا يثور التساؤل فيما إذا كانت وجهة النظر هذه لها بعض من الوجاهة أم أنها نظرية المؤامرة بشكل محض.
لقد تعاطينا مع هذه القضية في دراستنا حول أهمية إنتاج النفط في جذب التدخلات العسكرية الخارجية. ففي ورقة بحثية حديثة اشتركنا في إعدادها مع كريستيان جلديتش في دورية تسوية الصراعات، حاولنا تأطير عملية صنع قرار السياسة الخارجية على صعيد التدخل في الحروب الأهلية واستكشاف دوافعها الاقتصادية.
واعتمدت دراستنا على عينة شبه حصرية لـ69 بلدا شهدت حروبا أهلية في الفترة ما بين 1945 و1999. وقد شهد ثلثا الحروب الأهلية خلال الفترة تدخل أطراف خارجية سواء من قبل بلد أجنبي أو تنظيم خارجي.
الكل على النفط
وتوصلنا إلى أن قرار التدخل كان يسيطر عليه حاجة الطرف الخارجي المتدخل للنفط ـ بشكل يفوق الروابط التاريخية أو الجغرافية أو العرقية.
التدخل العسكري مكلف ومحفوف بالخطر. ولا توجد دولة تدخل في حرب أهلية في بلد آخر دون أن توازن كلفتها مقابل مصالحها الاستراتيجية والمكاسب الممكنة لها فيها.
كما وجدنا أن البلدان المنتجة لكميات كبيرة من النفط أو تلك التي لديها احتياطيات كبيرة (وقوة سوقية جديرة بالاعتبار) أكثر احتمالا في جذب الدعم العسكري. وأغلب ذلك كان للحفاظ على أسعار النفط في الأسواق العالمية. بل في الواقع كان هناك زيادة في متوسط حالات التدخل في الفترات التي كان فيها قليل من البلدان الكبيرة في إنتاج النفط ومن ثم تقليل المنافسة (وأسعار أكثر استقراراً).
والأكثر احتمالا أن تقوم البلدان التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط بمثل هذه التدخلات. ولعل الولايات المتحدة هي المثال الواضح في ذلك، وإن كان الاتحاد السوفيتي السابق يشترك في ذلك هو الآخر ـ انظر إلى تدخله في اندونيسيا الغنية بالنفط في عام 1958 حيث كان إنتاج الاتحاد السوفيتي من النفط لا يزال في مهده.
انظر أيضا إلى التدخل العسكري من قبل بريطانيا العظمى في الحرب الأهلية النيجيرية التي تعرف أيضا بحرب بيافرا في الفترة ما بين 1967 و1970. في ذلك الوقت كانت المملكة المتحدة واحدة من أكبر شبكة لمستوردي النفط في العالم، في الوقت الذي بدأ فيه إنتاج نفط بحر الشمال في عام 1975. كما كان للبلد أيضا عن طريق شركة بريتش بتروليوم(بي بي) مصلحة مباشرة في استقرار المنطقة. وقد يكون من المغري أن نعزو التدخل البريطاني في نيجيريا إلى الروابط بمستعمرتها السابقة. غير أن المملكة المتحدة لم تتدخل في الحروب الأهلية في مستعمرات أخرى أقل غنى بالنفط مثل سيراليون أو روديسيا (زيمبابوي فيما بعد).
على الجانب الآخر، فإن البلدان المعتمدة على النفط لا يبدو أنها قامت بعمليات تدخل كثيرة على الإطلاق. وتعتبر المساعدة العسكرية التي قدمتها المملكة العربية السعودية لحكم الأئمة خلال الحرب الأهلية في اليمن في ستينيات القرن الماضي فريدة من نوعها تقريبا بين كبرى البلدان المصدرة للنفط خلال الفترة قيد الدراسة. فقد أحجمت الدول الخليجية الأخرى والقوى النفطية الإقليمية مثل المكسيك أو اندونيسيا عن التدخل في الحروب الأهلية.
التدخل في القرن الـ21
السجل الدائم لعدم الاستقرار الجغرافي في المناطق المنتجة للنفط والزيادة المحتملة في الطلب العالمي على النفط يعني أننا سوف نرى مزيدا من هذه التدخلات العسكرية الخارجية في المستقبل. وإن كان من المرجح أن يكون هناك بعض الاختلافات.
فقد يعني الغاز الصخري أن تصبح الولايات المتحدة أقل اعتمادا على الطاقة، في حين أن النمو المتواصل في الصين يعني أن هذا البلد سيحتاج إلى واردات من الطاقة أكثر من أي وقت مضى. كما سنرى بعض من التغيرات الكبيرة في الدول المعينة ذات الدوافع الأكبر للتدخل. وقد نشهد في السنوات المقبلة أول مساعدة عسكرية صينية يهيمن عليها الأمن النفطي.
وبدورها يجب أن تؤدي هذه التدخلات إلى علاقات اقتصادية أقوى. ففي الدراسة التي أجريناها مع ليندرو اليا والتي نشرت في دورية مراجعة الاقتصاد الدولي توصلنا إلى دليل تطبيقي قوي بأن نشر القوات الأميركية والمعونة العسكرية تدفع إلى الزيادة في التدفقات التجارية الثنائية.
يقدم عملنا هذا دليلا قويا على أن التدخلات العسكرية تحركها في الأساس الدوافع الاقتصادية.

فينسينزو بوف وبيتروس سكيريس بوف
أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة وارفيك واسيكس سكيريس محاضر في الاقتصاد بجامعة بورتسموث
خدمة واشنطن بوست ـ بلومبيرج نيوز خاص بـ"الوطن"