[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
نفرح لأي تعبير عروبي، لكنه يجب أن يكون ناتجا عن التزام بمفهوم العروبة التي أودعت سر وجود على وجه الأرض. لكن ما السر حتى تتفتق فجأة في مناخ سياسي معين، كأنما هي غب الطلب، أو فكرة مؤاتية للحظة سياسية أو تغطية على مشروع وموقف.
عندما طرح الزعيم الراحل عبدالناصر فكره القومي كانت العروبة الوعاء الذي احتواها وحماها، يومها حورب على فكرته، فمن غير المقبول عند الدول الكبرى وعند إسرائيل، وعند بعض العرب، تنمية اتجاهات قومية في منطقة خطرة استراتيجيا، وعلى العرب أن لا يحلموا بفكرة من هذا النوع وضعت تحتها خطوط حمر لما تشكل خطرا سياديا من أمة ليست ملايينها هي نعمة وجودها بل ما تمثله من حقائق تجمعها وتوحدها.
ثمة من أفاقوا اليوم على العروبة كأننا أمام خطر داهم، والمعروف ما معنى العلاقات بين الدول المختلفة الأعراق والثقافات والتاريخ والنظم السياسية .. هي علاقات تفاهم وترابط مصالح، ولا بأس لو كانت هنالك أهداف مشتركة فيما بينها، فكلما انوجدت، كانت المصلحة في غاية الأهمية. لكن الذين أفاقوا على هذا السر الحميم الذي هو ناتج خلية، ما زالت تعوزهم حقيقة العروبة التي حوربت منذ أن ارتفعت راياتها في زمن السعي من أجل إحلالها رفعة بالعرب وتقديسا لوجودهم الواحد.
أن تكون العروبة آنية الطرح، فهي ليست كذلك، ولن تكون طارئة أو مثلما يحلو المناخ السياسي .. وليست أيضا إحساسا طارئا، يكرج على الفم مثل حلاوة، كما أنها لن تكون لعبة فكرية أو هوسا .. هي روح مجسدة بكل عربي، حاول التمسك بأهدابها أو رفض، عشق معناها أو أخرجها من كيانه، أحب تكوينها أو تمسك بقطريته الذائبة .. هي بوح حتى ولو سترها من لا يريدون التعبير عنها أو رفضها لأسباب وغايات تعود إلى سبب صهيوني أو إمبريالي ..
ما نراه اليوم ومنذ زمن حرب على العروبة من مصادر مختلفة، لا يمكن لمن أطلق النار عليها أن يمحو تاريخ هذا الاعتداء ليعود إليها فجأة، فإذا بها تتحول إلى كلمة متناقلة بين أفواه أكاد أجزم أنها لا تعرف معناها ومبناها وخلفياتها وسبب وجودنا المرتبط بها .. كل ما يقال عن العروبة اليوم بات يشبه المفهوم التعصبي فيما العروبة انفتاح وليست انغلاقا، هي انبعاث حب للإنسان أينما وجد، مصاهرة له في أنسنته، تشابك في العمل سويا من أجل مصلحة البشرية جمعاء. لم تكن العروبة حتى ولو طال زمن خروجها إلى النور، سوى الشخصية العربية في كثير أمانيها أيضا.
خلصونا من هذه العروبة التي هبطت فجأة على البعض الذي كان يعتبرها كلمة خشبية ومن الماضي، حتى أن هذا البعض كتب ذات مرة عما سماه العروبة الجديدة، فيما العروبة هي العروبة، لكن لا بأس لو كان التجديد إحدى خصائصها الحالية.
سنظل عروبيين سواء أثرناها أو سعينا إلى وأدها كما فعل الفاعلون ذات يوم مجيد من أيام الأمة التي أشعرت كل عربي بأنه طارد للحلم ماشيا إلى واقع لابسا حقيقة وجوده على الأرض. وليرحم الله أولئك الخلص الذين قدموا لنا معنى أن نكون جمعا وليس فرادى قابلين للانتحار الدائم كما يحصل اليوم.