استمرار أسعار النفط بمستوياتها الحالية سيلقي بظلاله على الأداء الاقتصادي .. وخطوات الحكومة قد لا تكون كافية لتحقيق سلامة واستدامة الأوضاع المالية على المدى الطويل

هناك ضرورة لتوسيع وتنويع مصادر رفد الخزينة العامة للدولة وتحقيق مستويات مجزية من الإيرادات غير النفطية القابلة للاستدامة

يجب اتباع سياسة مالية ذكية تتسم بالتقيد التام بما وضعته الحكومة ومراجعة دورية للخطة وتعديلها بما يتواءم مع الظروف المرحلية

كتب ـ سامح أمين:
قال سعادة الدكتور صالح بن سعيد مسن رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى إن استمرار أسعار النفط بمستوياتها الحالية سيلقي بظلاله على الأداء الاقتصادي من ناحية وعلى استدامة واستقرار الأوضاع المالية من ناحية أخرى وذلك مع صعوبة التكهن بما ستؤول إليه اتجاهات الأسعار خلال الفترة القادمة نظراً لتأثر أسعار النفط بالعديد من العوامل الجيوسياسية فضلاً عن عوامل السوق من عرض وطلب المتأثرة حالياً وعلى المدى القريب بوفرة العرض وضعف الطلب الناتج عن تباطؤ النمو في كثير من الاقتصادات بالدول المتقدمة والناشئة على حد سواء.
وقال في تصريح لـ»الوطن الاقتصادي» لا شك أن الخطوات التي قامت وستقوم بها الحكومة لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط ستكون في سبيل زيادة الإيرادات غير النفطية للتعويض عن تراجع الإيرادات النفطية من ناحية وترشيد الانفاق العام من الناحية الأخرى للمحافظة على استدامة الأوضاع المالية، وأن هذه الخطوات سوف تخفف نوعا ما من تراجع الإيرادات في الموازنة العامة للدولة ولكنها ليست كافية لمقابلة كافة أوجه الإنفاق المدرجة في بنود الموازنة.

وأوضح سعادته أن الانفاق العام قد شهد زيادة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية ويشمل الانفاق الجاري النسبة الأكبر منه مما يحد من إمكانية اجراء تخفيضات كبيرة عليه دون المساس بمصالح المواطنين خاصة وان الرواتب والأجور تمثل الجانب الأعظم من الانفاق الجاري. وبالنسبة للمصروفات الإنمائية فبطبيعة الحال ستقوم الحكومة بتأجيل المشروعات غير الملحة وكذلك تلك التي لا تدر دخلاً يسهم في زيادة الإيرادات غير النفطية، غير أن الصرف على المشروعات المستمرة لابد أن يتواصل وهي مشروعات كبيرة وحيوية وبالتالي يمثل توفير الموارد المالية الكافية للاستمرار في الصرف عليها تحدياً أمام الجهود الرامية إلى تخفيض الانفاق في ظل هذه الأوضاع الضاغطة، لذا، فإننا نرى هامش المناورة في جانب الانفاق العام يعتبر محدوداً أما في جانب الإيرادات غير النفطية فلا مجال لزيادة مساهمتها في رفد الخزينة العامة على المدى القصير الا بزيادة الضرائب والرسوم ورفع الدعم الذي يرهق الخزينة العامة، وهذا ما قامت وتقوم به الحكومة للحد من تفاقم العجز المالي.

وقال سعادة الدكتور رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى: يمكن القول بأن ما اتخذته الحكومة من خطوات للحد من آثار انخفاض أسعار النفط على الميزانية العامة للدولة قد لا يكون كافياً لتحقيق سلامة واستدامة الأوضاع المالية في ظل التدهور المستمر لأسعار النفط. أما على المدى المتوسط والبعيد فقد يكون في الجهود المبذولة والتي ستبذل مستقبلاً في مجالات التنويع الاقتصادي، وفي تخصيص بعض الشركات الحكومية التي تثقل كاهل الخزينة العامة، وفي مجال زيادة مواعين ومعدلات الضرائب والرسوم ورفع كفاءة تحصيلها، وفي مجال إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية لتحقيق المزيد من ترشيد الانفاق وفي مجال اسناد بعض المشروعات الحكومية للقطاع الخاص لإنشائها وتشغيلها، وغيرها من السياسات والآليات التي ستنفذ خلال الخطة الخمسية التاسعة ما يمكن من مواجهة التحديات الناتجة عن تدهور أسعار النفط بقواعد اقتصادية أكثر ثباتاً وديمومة.
مبادئ التحوط


وفيما يتعلق باحتساب سعر 45 دولارا لبرميل النفط، والخطوات الواجب اتخاذها في ظل تدنى أسعار النفط قال رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى إن احتساب سعر النفط على أساس 45 دولارا للبرميل والذي تم تقدير الإيرادات النفطية على أساسه فيه الكثير من التفاؤل ولم تتوفر فيه مبادئ التحوط التي تأخذ بأسوأ الاحتمالات كما جرت العادة في الميزانيات السنوية طيلة السنوات الماضية، وما نراه من انخفاض في أسعار النفط في الفترة الراهنة خير شاهد حيث إن الأسعار ما زالت تحوم حول الثلاثين دولارا منذ بداية العام الجاري، عليه نرى ضرورة توسيع وتنويع مصادر رفد الخزينة العامة للدولة، وتحقيق مستويات مجزية من الإيرادات غير النفطية القابلة للاستدامة، كما أنه من الممكن التركيز على القطاعات الواعدة وتنميتها بالشراكة مع القطاع الخاص وللحد من تأثيرات تخفيض الانفاق العام على معدلات النمو من خلال تحفيز القطاع الخاص للمزيد من الاستثمار ولسد الفجوة الناجمة عن تراجع الاستثمارات العامة بسبب تراجع الموارد المالية الحكومية.

وأوضح قائلا: على الرغم من أن التراجع في أسعار النفط في الآونة الأخيرة يرجع إلى عدة أسباب وعوامل من بينها تراجع الطلب على النفط نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا وفي الأسواق الناشئة بالإضافة إلى أميركا مقابل زيادة في المعروض منه من الدول الأعضاء في الأوبك وخارجها، وكذلك نتيجة للزيادة في انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وغيرها من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية إلا أن التكهن بما ستؤول إليه الأسعار خلال العام الجاري والأعوام التالية ليس بالأمر السهل. وعلى أية حال كما سبقت الإشارة إليه إذا ما استمرت الأسعار بمستواها الحالي أي في حدود الـ30 دولارا للبرميل سيقفز حجم العجز المقدر في الميزانية المقدر بنحو (3) مليارات و(300) مليون ريال عماني إلى أكثر من (5) مليارات، مما يستلزم المزيد من الخطوات في جانبي الإيرادات والانفاق غير أنني أرى أن الخيارات لذلك محدودة للغاية خاصة وأن الانفاق المعتمد في ميزانية عام 2016م يقل عن ذلك المعتمد في ميزانية عام 2015م بنحو (14%)، وهو ما لا يتيح مجالاً للمزيد من التخفيض في ظل المصروفات الجارية والاستثمارية الحتمية تطبيقها، كما أن زيادة الضرائب والرسوم محكومة أيضاً باعتبارات اقتصادية واجتماعية عديدة خصوصاً ما يتعلق منها بأهمية المحافظة على مناخ استثماري سليم وجاذب، ومن الناحية الاجتماعية لا بد من مراعاة ما يتحمله المواطن من الأعباء الضريبية وأعباء الرسوم. ونشير هنا إلى أن سعر تعادل برميل النفط المطلوب لتغطية كامل الانفاق العام المقدر في ميزانية عام 2016م يقدر بما يصل إلى أكثر من (75) دولارا للبرميل.

سياسة مالية ذكية

وفيما يتعلق بالسبل اللازمة لتخطي الأزمة فأكد رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى أنه لابد من إتباع سياسة مالية ذكية تتسم بالتقيد التام لما وضعته الحكومة في خطتها لترشيد الإنفاق العام لمقابلة الأوضاع المالية المتراجعة خلال فترة الأزمة، كما ينبغي أن تكون هنالك مراجعة دورية ومستمرة لتلكم الخطة وتعديلها بما يتواءم مع الظروف المرحلية خلال فترة الأزمة. ومن خلال ما يلاحظ في الشهرين الأولين لهذه السنة نرى بالفعل أن الحكومة تسعى جاهدة للإبقاء على الوضع المالي كما هو مقدر له أن يكون في الموازنة العامة للدولة، ولكن خلال الفترة القادمة يجب التركيز على بعض الوزارات ذات الحظوة والشركات الحكومية ذات الامتيازات الكبيرة والتي مازالت تعاني من ترهل مالي وتحتاج للكثير من المراجعة وإعادة برمجة موازناتها بشكل كبير. ومن السبل التي من الممكن أن تتخذها الحكومة خلال المرحلة القادمة هي إجراء دراسة شاملة حول إمكانية إعادة توزيع القوى العاملة الوطنية بالوحدات الحكومية بما يضمن عدالة توزيع الأعباء الوظيفية ورفع الكفاءة الإنتاجية والاستغلال الأفضل للموارد البشرية والمادية المتاحة، وذلك من خلال نقل فائض الكوادر الوظيفية في الوحدات التي تعاني من ترهّل وظيفي وبطالة مقنعة إلى الوحدات التي تواجه نقصاً في الكوادر المتاحة لها، خصوصاً تلك الوحدات التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين ويتسبب نقـص الكـادر الوظيفـي فيها في تأخير معاملات المواطنين، على أن تصاحب عملية إعادة التوزيع برامج تدريبية مناسبة لإعداد الموظفين المنقولين لتمكينهم من ممارسة مهامهم الوظيفية الجديدة بالمستوى المطلوب. كما أنه من أهم أوجه ترشيد الإنفاق العام يكمن في إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة المترهل، من خلال هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وذلك بدمج الوحدات الحكومية ذات الأدوار والوظائف المتشابهة بما يمكن من إقامة جهاز تنفيــذي ذي كفـــاءة عاليــــة ويضمـــن المزيد من ترشيد الإنفاق على المــدى الطويل. وكذلك يمكن رفع كفاءة استثمار الموارد المالية الحكومية المستثمرة في صناديق الاحتياطي والاستثمار وفي صناديق التقاعد الوطنية بالإضافة إلى رفع كفاءة تحصيل الرسوم والضرائب.
القطاع الخاص


وقال يتطلب من القطاع الخاص خلال المرحلة القادمة أن يلعب دورا أكثر فاعلية في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والخدمية ذات القيمة المضافة العالية التي تسهم في تنويع مصادر الدخل وفي توفير فرص العمل للمواطنين كقطاعات الصناعة التحويلية، الثروة السمكية، التعدين، السياحة، والخدمات اللوجستية، باعتبارها قطاعات واعدة يمكن أن تسهم بقدر وافر من الناتج المحلي غير النفطي وفرص العمل لأعداد متزايدة من العمانيين المتوقع دخولهم لسوق العمل خلال السنوات القادمة في وقت تتقلص فيه فرص التوظيف بالقطاع العام بسبب تشبعه من ناحية وبسبب سياسة التقشف التي تفرضها الظروف الحالية من ناحية أخرى. ولا بد من تهيئة الظروف المناسبة للقطاع الخاص ليلعب هذا الدور من خلال تحسين بيئة الاعمال ومن خلال دراسة كافة المعوقات والعقبات التي اعترضت طريقه وأعاقت تحقيق الاهداف المخططة له في الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني (عمان 2020) والخطط الخمسية التي أعدت في إطارها. واننا نرى أن تتركز استثمارات القطاع الخاص في المناطق الأقل نمواً وهي بلا شك سياسة مهمة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمتوازنة لينعم بثمارها جميع المواطنين والتي من شأنها ان تخفف من هجرة السكان من مناطقهم إلى محافظة مسقط والمدن الكبرى وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على استقرار الاسر والضغط على الخدمات المتوفرة في أمهات المدن، حيث يجب أن تتضمن البرامج والسياسات والآليات التي تعتمدها الخطة الخمسية التاسعة توجهات واضحة المعالم في قوانين وسياسات وإجراءات الاستثمار بما يكفل للمستثمرين حوافز مميزة تختص بالمشروعات المقامة في تلك المناطق تحديداً كالمنح والقروض المعفاة من الفوائد وتخفيضات خاصة في أسعار الكهرباء والمياه والغاز وأسعار الأراضي وغيرها، وذلك وفقا لأسس ومعايير يتم بمقتضاها تحديد المناطق الأقل نمواً وشروط منح الحوافز المميزة. إضافة الى ذلك فانه من الأهمية بمكان ان تتبنى الحكومة برنامجا تنمويا من شأنه ان يرفع من مستوى وجودة الخدمات المقدمة بهذه المناطق لتكون متقاربة الى حد ما مع العاصمة مسقط والمراكز والمدن الرئيسية الأخرى. وفي ظل الظروف الراهنة التي تشهد انخفاضا في أسعار النفط ومحدودية الايرادات الحكومية وما يصاحبها من ترشيد في الاعتمادات المرصودة لتنمية المناطق الأقل نموا فان على الحكومة أن تحث شركات القطاع الخاص العاملة في هذه المناطق وخاصة الحكومية منها على المساهمة في التنمية المحلية.