الهدنة المعلنة في سوريا والتي دخلت حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة الماضي، والتي قبلها كل الأطراف واعتمدها مجلس الأمن الدولي بالقرار رقم 2268 يبدو أنها لم ترق إلى بعض الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، واضطرت إلى قبولها على مضض، وذلك خوفا من أن تؤدي إلى تسوية لا تحقق لها الهدف من تدخلاتها، والتي سعت إلى تأجيج الصراع لفرض أمر واقع جديد من خلال أدواتها الإرهابية، وهو أمر لم يتحقق لها، بل على العكس من ذلك قد حصل، حيث حقق الجيش السوري وحلفاؤه تقدما ميدانيا مطردا على مختلف مواقع المواجهة العسكرية مع المنظمات الإرهابية، ما اضطر هذه المنظمات إلى الانكفاء، وجاءت إلى الهدنة وهي في وضع دفاعي لا تحسد عليه.

ولذلك منذ السويعات الأولى للهدنة، خرجت أبواق عديدة تتحدث عن خروقات سورية ـ روسية للهدنة، وزاد ضجيجها عن عمليات عسكرية تتم هنا أو هناك، ردا على الجماعات الإرهابية التي استثنيت من اتفاق الهدنة، فالاتفاق ينص على استثناء تنظيمي داعش والنصرة وحلفائهما.
ولعل هذا يفسر حالة القلق والتشكك التي تسيطر على السوريين، رغم الترحيب الشعبي الواسع بوقف الأعمال القتالية، فالشعب السوري رغم معاناته المستمرة على مدار الخمس سنوات الماضية، يمتلك من الوعي الكثير الذي يضع أمامه العديد من الحقائق، فإيمان الشعب السوري بقضيته لا يوازيه إلا يقينه بأن هناك أطرافا تسعى بكل ما تملك من نفوذ ومن أذرع، إلى إفشال تلك الهدنة، ويعرف جيدا أنهم خاضوا تلك الهدنة سعيا منهم إلى تمرير السلاح لعملائهم في الداخل، لتغيير كفة العمليات القتالية على الأرض.
وترتكن هذه الحالة من التشكك التي تصاحب السوريين على حقائق وقرائن، فاستباق وزير الخارجية الأميركي جون كيري الهدنة بالحديث عن خطة بديلة، لم يكن محض صدفة، هذا بالإضافة إلى إعلان أنقرة (أبرز حلفاء واشنطن في المنطقة) أنها غير ملزمة باتفاق وقف إطلاق النار، وغيرها من التصريحات التي تؤكد النية المبيتة لهدم تلك الهدنة. لذا فحديث الأذرع الأميركية الدائم عن خروقات قد يتصاعد في الأيام القادمة، على الرغم من أن الحقائق على الأرض تؤكد أن الإرهابيين ومن يدعمهم، هم من يشنون الهجمات، حيث شن نحو 100 مقاتل من مدينة الرقة، انتقلوا عبر تركيا، هجوما على الجزء الشمالي من تل ابيض، كما شهدت الخروقات قصفا مدفعيا من الأراضي التركية دعما لنشاطات الجماعات المسلحة.
ان حديث السوريين عن سعادتهم لغياب أصوات القصف والاشتباكات لليوم الثاني على التوالي، قد أظهر كمية الإنهاك الذي راكمته السنوات الخمس الماضية، ووضح بشكل جلي حاجتهم إلى بصيص أمل يتعلقون به، حتى وإن كان في هدنة يجمع الكثيرون على أنها لن تطول، صحيح ان السوريين قد اعتادوا على الحرب، لكنهم بكل تأكيد يفضلون الحياة بدونها، لكن تلك الأمنيات السورية تصطدم بنوايا من يرعى الإرهاب، ويحاول بكل ما أوتي من قوة ليقضي على البقية الباقية من أمل في نفوس السوريين، فهذه الأاطراف لا تمثل لهم الهدنة غير مكسب وقتي يعيق تقدم الجيش العربي السوري على الأرض، ويفتح الطريق لخططهم البديلة الشيطانية، مستخدمين في سبيل ذلك المنظمات الإرهابية الدولية التي زرعوها في سوريا، بالإضافة إلى عملائهم في الداخل والخارج، الذين يدأبون على اثارة الفتن، ويسعون بكل الطرق إلى إفشال كل مسعى لحقن الدم السوري.