[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لا يزال الحديث عن اتفاق وقف العمليات القتالية في سوريا ذا شجون، ويطرح علامات استفهام خاصة حول دور الولايات المتحدة ومصداقيتها في بناء هذا الاتفاق، وما إذا كان يعبِّر عن رغبة وقناعة بعيدًا عن التحولات الميدانية التي فرضها التدخل العسكري الروسي؟

ولعل ما يزيد إلحاح الأسئلة المعلقة للإجابة عنها هو أن وقف العمليات العدائية يقود إلى الحل السياسي أو هو مقدمة له، إلا أن الواقع ليس في أفقه ما يشير إلى ذلك، بل يكاد الجميع مستغرقًا في البحث عن ملامح وتفاصيل ما سربه جون كيري وزير الخارجية الأميركي عن الخطة البديلة أو ما تعرف بالخطة (ب) في حال لم ينجح اتفاق وقف العمليات، في الوقت الذي تتسرب فيه معلومات عبر وسائل إعلام مختلفة عن لقاءات سرية لمسؤولين سياسيين ورؤساء أجهزة استخبارات عرب مع نظرائهم في كيان الاحتلال الصهيوني، وأن الهدف منها هو تنسيق عمليات عدوانية ضد كل من سوريا ولبنان.
في الحقيقة تدرك الولايات المتحدة أن التحول الميداني لصالح الدولة السورية جيشها وشعبها، ومن ورائها الحلفاء يعني عودةً أقوى لسوريا، مثلما خرج العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية من حرب الثماني السنوات أقوى، وهذا لن يخدم مخطط إعادة رسم خريطة المنطقة وتأمين بقاء كيان الاحتلال الصهيوني وتنصيبه شرطيًّا عليها، ولكن هذا أيضًا لا يعني أن روسيا الاتحادية في الخندق المعادي للمستعمرة الصهيونية الكبرى المسماة «إسرائيل»، وإنما تحاول أن توازن بين حرصها على حماية أمنها القومي الذي تمثل سوريا أحد مرتكزاته الرئيسية، وعدم تهديد أمن المستعمرة الصهيونية.
هناك الكثير ممن يرفضون التشكيك في طبيعة اتفاق وقف العمليات العدائية الذي توصلت إليه موسكو وواشنطن، غير أن الأخيرة (واشنطن أعني) ـ بحكم تاريخها المليء بالشواهد ـ غير مأمونة الجانب، ومن الممكن أن تنقلب وتغدر في أي لحظة بما يتفق ومصالحها، وفق ما يحلو للكثير تسميته بـ»البراجماتية». فالاتفاق يأتي في ظروف تلتقي فيه الهواجس ومشاعر القلق والخوف لدى الأميركي والصهيوني ولدى عملائهما وأدواتهما في المنطقة على مستقبل المستعمرة الصهيونية الكبرى «إسرائيل».
وثمة من يزعم أن الاتفاق جاء وفق ما تشتهيه سفن الدب الروسي، وهذا الكلام ليس دقيقًا؛ لأنه لا يمكن للولايات المتحدة وحلفها أن تعطي خصومها تنازلات تراها مؤلمة، ولعل ما يؤكد ذلك:
أولًا: إن الاتفاق جاء لإيقاف اندفاعة الماكينة الروسية ـ السورية، والإمساك بما تبقى من الجغرافيا السورية الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيما «داعش والنصرة»، عملًا بالمثل القائل «عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة».
ثانيًا: إن الاتفاق لا يمثل فقط فرصة للتنظيمات الإرهابية المصنفة أميركيًّا بـ»المعتدلة» لالتقاط أنفاسها وإعادة تموضعها في الجغرافيا السورية، وإنما من شأنه أن يمثل غطاء وفرصة للخطة الأميركية البديلة (الخطة ب)، ويمكن استلماح ذلك مما كشفته قناة CNN التلفزيونية الأميركية من أن إدارة الرئيس باراك أوباما تجري في هذه الأيام مناقشات بشأن «الخطة البديلة» في سوريا تحسبًا لانهيار وقف إطلاق النار هناك. وأفاد موقع «روسيا اليوم» أن القناة ذكرت (الجمعة الماضية) بأن الخطة البديلة المذكورة قد تشمل إمكانية إرسال قوات خاصة إضافية، إضافة إلى إنشاء مناطق حظر جوي في سوريا. وأشارت إلى أن القوات الخاصة الإضافية يمكن أن تستخدمها واشنطن لزيادة عدد عمليات مكافحة الإرهاب، وكذلك لتدريب مسلحين من المعارضة السورية «المعتدلة» وتقديم الاستشارات دعمًا لها. وتقتضي «الخطة البديلة» تزويد هؤلاء بمزيد من الأسلحة، إلى جانب نية الإدارة الأميركية إشراك «دول أخرى» (لم تذكرها المحطة) لتوريد أسلحة ومساعدات أخرى «للمعارضة» المسلحة. ونقلت CNN عن مسؤول في إدارة أوباما قوله إن واشنطن لا تزال تدرس إمكانية إنشاء «مناطق حظر جوي ومناطق آمنة للاجئين والنازحين» في سوريا، وإن كان البيت الأبيض ما زال يرى هذا المشروع «مكلفًا جدًّ». وفي الحقيقة، ووفقًا لما ذكرته القناة الأميركية، يشبه هذا الاتفاق في التوظيف والدور بعثة المراقبين العرب بقيادة الفريق محمد أحمد الدابي والتي استغل حلف التآمر والإرهاب مهمتها في إعادة تموضع التنظيمات الإرهابية، وتزويدها بما تحتاجه من الأسلحة ليكشف هذه الحقيقة فيما بعد حي بابا عمرو في مدينة حمص. ذلك أن تزويد التنظيمات الإرهابية المصنفة أميركيًّا بـ»المعتدلة» بالأسلحة وربما النوعية سيكون بزعم دعمها لمحاربة تنظيمي «داعش والنصرة». كما أن القاعدة التي تعتزم واشنطن إنشاءها على الحدود العراقية ـ السورية لن تخرج عن سياق مخطط التآمر.
ثالثًا: وهذا مرتبط بما قبله بحيث من المحتمل أن يسير المخطط نحو تهيئة أجواء تفجير سوريا بالتوازي مع أجواء تفجير لبنان، تحقيقًا لرغبة كيان الاحتلال الصهيوني وأهدافه، بعدم تمكين المقاومة اللبنانية والسورية من إقامة منصات لها في الجولان السوري المحتل، وهناك عدة مؤشرات على ذلك يعمل عليها تحت مظلة اتفاق وقف العمليات العدائية، بدءًا بالتصعيد نحو حزب الله وتلفيق الاتهامات ضده من أجل استصدار قرارات عربية وأممية بتصنيفه «إرهابيًّا»، وبالتالي يكون مشمولًا بالحرب والمواجهة كتنظيمي «داعش والنصرة» الإرهابيين.
رابعًا: لطالما برز إلى العلن حلفاء تنظيمي «داعش والنصرة» إلى العلن وظهر دعمهم لهما بصورة فاضحة ومكشوفة، فإن إمداد هذين التنظيمين الإرهابيين بالأسلحة وبالمعلومات والعناصر سيستمر وبأكثر من طريق، وما الهجوم الواسع الذي شنه تنظيم «داعش» الإرهابي على تل أبيض أمس الأول إلا أحد الأدلة على ذلك.
إذًا، من الواضح أن المخطط يتجه بداية نحو محاصرة المقاومة اللبنانية ومن ثم القضاء عليها، والسؤال هو: هل سينجح المتآمرون؟ فالتسريبات الإعلامية تشير إلى أن محور المقاومة قد أعد مفاجآت عسكرية «من العيار الثقيل».. لنرى.