[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
هل لنا أن ننصح أنفسنا في البلاد العربية قبل أن ننتظر النصيحة من أحد في الموضوع الاقتصادي, لا شك في أننا نعيش عالمًا تستحوذ عليه فكرة المنافسة إن لم أقل فكرة المغالبة بكل ما تتضمن من تربص ومناكدة والربح غير المعقول في أغلب الاحيان, وهكذا علينا أن لا ننتظر نصيحة نصوحة لنا من الآخرين يمكن أن تضعنا على سكة التنمية الحقيقية في تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصاديًّا, وبالأخص الاكتفاء غذائيًّا وإلا لماذا هذا التضارب الواضح والشديد الذي تحتمه (أخلاقيات الأسواق).
من باب النصيحة التي نسديها لأنفسنا, أن تكون لدينا فوبيا (خوف) من العواصف الاقتصادية التي تضرب العالم الآن وهي عديدة ومن الضخامة بمكان، بحيث لا يمكن قياس حجمها وإعطاء صورة معينة عنها لأنها مسكونة بالتوالد, أي التفاقم.
لقد صدر في الأيام القليلة الماضية تقريران لا شكوك في مصداقية من أعدهما الأول يفيد بأن كلفة الديون عالميا باتت باهظة من حيث حجمها وما يترتب عليها من فوائد وإعادة جدولة تسديدها نتيجة إخفاقات في مواعيد التسديد.
لقد بلغ حجم هذه الديون التي تكبل عشرات البلدان 85 تريليون دولار حتى نهاية العام المنصرم, ولنا أن نتصور حجم معاناة الدول (المديونة) في صرف المزيد من الكلف المالية لتحرير قدراتها من تلك المديونية, وغالبا ما يأتي ذلك على حساب قدرتها التنموية بتعطيل أجزاء حيوية من التنمية لئلا تقع ضحية الضغط وإعلان الإفلاس، مع العلم أن ذلك يخضع لعملية حسابية مجردة معروفة النتائج سلفًا.
التقرير الثاني جاء في صيغة تحذير من منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة ومقرها روما, فقد توقعت أن تصل الزيادات في أسعار المواد الغذائية الأساسية لحياة الإنسان إلى أكثر من 60% مما عليها الآن في السنوات العشر المقبلة والمقصود هنا الغلات الرئيسة, القمح والذرة والرز وغيرها من الحبوب.
إن الرقمين المشار إليهما, رقم الديون ورقم زيادة أسعار الغذاء لا شك أنهما يضعان العالم ضمن مكبلين (بفتح الكاف) على درجة من الخطورة, ويحق لنا أن نذهب أبعد في أن نتصور كيف تكون النسخة الاقتصادية للعالم إذا سارت الأمور على الوتيرة ذاتها بدون معالجة واقع الديون وأسعار الغذاء, أليس يعد التفرج على هذا الواقع خيانة أخلاقية بامتياز؟ وإلا قولوا لي وأنا الجاهل أين هي الوصفة الصحيحة والناجحة التي جادت بها قرائح نخبنا العلمية وهيئاتنا السياسية؟ لا أنكر أن هناك العديد من الدراسات والإنجازات في هذا الشأن, ولكن كم هي الجدوى المتأتية منها, كما لا توجد آليات دقيقة في الربط بين المعالجتين.
إننا نعالج أوضاعنا الاقتصادية ـ ولست أشمل هنا جميع الدول العربية ـ بالاستيراد من حبة القمح إلى حبة الليمون من دون أن نجهل أن الصين والهند اللتين تعدت نفوس البلدين فيهما أكثر من مليار إنسان لكل منهما، ومع ذلك تصدران الغذاء للدول الأخرى، بينما نحن في بعض البلدان العربية نتفاخر في استيراد أنواع نادرة من فاكهة (الكيوي) مثلما تتفاخر بعض نائبات البرلمان العراقي بما يملكن من مواد تجميل لماكس فاكتر أو شانيل أثناء انتظار مناقشة موازنة 2014, وعلى حد معرفتي المتواضعة أنهن يعرفن جيدا ماذا يعني الاكتفاء الذاتي من مصابغ التجميل والاكسسوارات وليس الاكتفاء الذاتي اقتصاديًّا.
هل لنا أن نضع جدول أسبقيات للحد من أموال تهدر لشراء أغذية من الخارج، بينما الحال يقتضي أن نعيد رسم حاجاتنا من خلال تأهيل البيئة الزراعية الوطنية.
إن مصر وحدها تغدق 4,31 مليار دولار سنويًّا لدعم حاجاتها الغذائية, وهي تعاني أيضا من ثقل الديون, بينما مجموع استثمارات المصريين في الخارج وصلت إلى 170 مليار دولار.
الوقائع والبيئة والمؤشرات تفيد بأن أكثر من (10) سلال جاهزة الآن بعد بعض التحوير لتحقيق الاكتفاء الذاتي غذائيا في أغلب البلدان العربية, وبالمرحلة اللاحقة تصدير الغلات, لكن السؤال: كيف لنا أن نستحضر (سلة) عقول عربية متضامنة, وأصر على متضامنة لتحقيق ذلك؟