[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
رغم أن قانون الانتخابات الرئاسية الجديد في مصر أثار الكثير من الجدل إلا أنه يتضمن حزمة من التعديلات الإيجابية‏,‏ أبرزها أن يكون المرشح الرئاسي من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل هو أو أبواه أو زوجته جنسية دولة أخرى‏ .. وإلزام وسائل الإعلام المملوكة للدولة بالمساواة في الدعاية بين المرشحين والسماح للوافدين بالتصويت في لجان المغتربين بالمحافظات الموجودين فيها دون التقيد بمحل الإقامة بالإضافة إلى توقيع الكشف الطبي على كل مرشح، وهي تعد تعديلات جيدة خاصة فيما يتعلق بحظر الجنسية الأجنبية لزوجة المرشح, كون الزوجة تتمتع بخصوصية كبيرة وتعلم كل ما يدور في محيط زوجها, وربما تحمل هذه الزوجة ميلا نحو البلد التي تحمل جنسيتها وتؤثر على قرارات زوجها وهنا يحدث تعارض للمصالح .. فيما يرى البعض بأنه كان يجب أن ينص القانون على عدم حمل أبناء أي مرشح جنسية أخرى، حيث إن المنصب حساس وكل من يحيط به يجب أن يحصن من كل الاتجاهات ويوجد في وزارة الخارجية المصرية قانون ينص على عدم زواج الدبلوماسي من أجنبية خلال فترة عمله مع استثناء الزوجة العربية, لما لهذا المنصب من خطورة كبيرة ترتبط بالأمن القومي, وإذا كان الحال هكذا مع السفراء، فما بالنا إذا تحدثنا عن رئيس الجمهورية الذي يحمل جميع أسرار الدولة!!
رغم كل هذا الجدل فاجأت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في مصر الجميع بإصرارها على تحصين قراراتها، وحين أعلن المستشار عدلي منصور رئيس مصر المؤقت بأنه سيجتمع برموز الحياة السياسية والحزبية الأربعاء قبل الماضي لبحث اعتراضاتهم ظن الكثير أن منصور سيعلن عقب الاجتماع تراجعه عن تحصين قرارات هذه اللجنة، إلا أن الحاضرين فوجئوا هم أيضا بتبريرات منصور وهو رجل قانون للإبقاء على المادة السابعة الخاصة بالتحصين بقوله إن الدولة في حاجة إلى تحقيق الاستقرار وعبور المرحلة الانتقالية دون تعطيل وصولا إلى أن يكون لمصر رئيس منتخب في أقرب وقت، مؤكدا دستورية التحصين وقانونيته وأهميته، لافتا إلى أن حق الطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات سيظل مكفولا أمام هذه اللجنة في كل المراحل!!
في الواقع أثارت المادة السابعة من قانون الانتخابات الرئاسية الخاصة بتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات غضب الكثير من رجال القانون في مصر الذين أكدوا عدم دستورية هذه المادة لأنها تخالف المادة 79 من الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه في يناير الماضي حيث تنص هذه المادة على عدم تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وبأن اللجنة العليا وإن كانت قضائية إلا أن قراراتها ذات صبغة إدارية وكل القرارات الإدارية يجوز الطعن عليها، وبأن هذا القرار المحصن لن يحقق الاستقرار لمصر وسيسهم في هدم الدولة لأنه لو عرض على المحكمة ستحيله إلى مجلس الدولة ووقتها يمكن الدفع بعدم دستوريته!!
الغريب أن الغضب من تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات كان مسموعا وأكثر قوة عند رجال القانون عنه عند القوى السياسية والحزبية التي رحب أغلبها بهذا التحصين فيما امتعض البعض على مضض، واللافت هنا هو موقف حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي الذي أعلن رفضه للتحصين حتى بعد لقائه الرئيس منصور إلا أنه في نفس الوقت أعلن عدم انسحابه من سباق هذه الانتخابات التي سيخوضها ليكسب المعركة على حد قوله وليس لتجاوز حاجز الـ5 ملايين صوت، فيما أعلن حزب الدستور الذي تتولى رئاسته الدكتورة هالة شكر الله رفضه لهذا التحصين، مطالبا الرئيس بإيجاد مخرج لا يهدد آليات الديمقراطية .. أما حزب النور وهو أكبر الأحزاب السلفية في مصر أعرب عن تخوفه من أن يفتح التحصين الباب أمام الادعاء بعدم نزاهة الانتخابات ويقف عائقا أمام تجاوز الأخطاء البشرية التي قد تحدث أثناء العملية الانتخابية!!
والأغرب هو ما قاله المستشار مجدي الجارحي نائب رئيس مجلس الدولة الذي أكد أن تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات به شبهة عوار دستوري لتعارضه مع المادة 79 من الدستور الجديد، لافتا إلى أن قسم التشريع بمجلس الدولة أوصى بعدم تحصين قرارات اللجنة واقترح بدائل في طرق الطعن إلا أنه لم يؤخذ بها معتبرا تبريرات الرئاسة عن هذا التحصين "واهية" وكان من الممكن تفاديها بينما جاءت تبريرات المستشار على عوض مستشار الرئيس المصري المؤقت للشئون الدستورية مثيرة للدهشة حين أشار إلى أنه كان أمام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية رأيان الأول يجيز الطعن على قرارات اللجنة طبقا لنص المادة 79 من الدستور الذي يحظر تحصين أي عمل إداري من رقابة القضاء .. أما الرأي الثاني فهو الذي تم الأخذ به هو عدم جواز الطعن على قرارات اللجنة طبقا لنص المادة 228 من الدستور أيضا، وهو ما يعني أن الذي يعطيه الدستور باليمين يمكن أن يأخذه بالشمال!!
إذن رئيس مصر القادم مشكوك في شرعيته حتى قبل أن تبدأ الانتخابات الرئاسية طالما أن هناك لغما اسمه المادة السابعة من قانون الانتخابات التي منحت اللجنة العليا للانتخابات الحق في تحصين قراراتها، وهو ما قد يدفع بعدم دستورية هذه الانتخابات، الأمر الذي يمكن أن يدخل الدولة في دوامة عدم الاستقرار مرة ثانية ويعيق تجاوز الخطوة الثانية من المرحلة الانتقالية التي لا تزال تعيشها مصر منذ ثورة الـ30 من يونيو من العام الماضي وبات الخوف كل الخوف من انسحاب كل من كان يفكر في الترشح في ظل تحصين قرارات اللجنة المعنية بهذه الانتخابات لدرجة أن البعض فسر انسحاب الفريق سامي عنان من سباق هذه الانتخابات بالإبقاء على التحصين خاصة وأن قرار انسحابه جاء قبل مرور 24 ساعة على اجتماع الرئيس منصور مع رموز القوى السياسية الذي تم خلاله الاتفاق على بقاء تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات وبعده بثلاثة أيام أعلن الناشط السياسي خالد على انسحابه من سباق الانتخابات وقبلهما القيادي الإخواني السابق الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح بحجة أن هذه الانتخابات محسومة نتيجتها مسبقا!!