تحظى اللغة العربية بكثير من الإمكانات، وتمتلك عددا كبيرا من الحروف التي نسميها بالروابط اللفظية التي تقوم بدور التماسك اللفظي والمعنوي، وتمتين أواصر العلاقات في الجملة، ومن تلك الروابط اللفظية الواو، حيث تتعدد استعمالاتها، وتتنوع دلالاتها وفق السياقات اللغوية التي تدخلها، وللواو استخدامات كثيرة، نجملها هنا، ونمثل عليها في السطور الآتية ؛ حتى يلم بها القارئ، ويحسن استخدامها، ويقف على أنواعها وأنماطها، فلا يخلط بين استعمال واستعمال، ولا بين دلالة ودلالة.
واليوم نكمل ما بدأناه الاسبوع الماضي:
منها واو الرفع في كل من الأسماء الستة، وفي جمع المذكر السالم، نحو : جاء أبوك، وحضر أخوك، وسافر حموك وتكلم ذو علم، وفوك رطب بذكر الله، ويجب أن يستتر هنوك في الصلاة، ونحو: "قد أفلح المؤمنون"، ونحو:" وأولئك هم المفلحون".،وهذه الواو علامة إعراب، وتدخل ضمن أبواب الإعراب الفرعي السبعة، ومنها بابا الأسماء الستة، وجمع المذكر السالم.
ومنها الواو الفارقة بين الكلمات، والتي تميز بين الدلالات، لتحديد الدلالة الخاصة بكل كلمة، ولتفرق بين الشيئين، نحو: عمر، وعمرو ، ونحو الألى ،وأولى وأولي وأولو، وأولاء وهؤلاء وأولئك.
ومنها الواو التي ترد حرفا زائدا، وهي التي تدخل ضمن أحرف الزيادة التي جمعوها في حروف سألتمونيها، أو أمان وتسهيل، أو هويت السمان، كما في نحو: اغدودن الشعرُ، واعشوشب المكانُ، واحدودب الظهرُ.
ومنها واوالثمانية، وهي التي يقع بعدها العدد ثمانية أو التي تسبق بسبعة، كما قال تعالى:"عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا"، ونحو قوله :"التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله"، ونحو قوله تعالى: "حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين"، وهي لأهل الجنة، وهي أبواب ثمانية، على العكس من أبواب النار التي هي سبعة أبواب، قال تعالى: "لها سبعة أبواب..."، ومن ثم قال الله تعالى في أهل النار وأبواب جهنم:" حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها"، بغير واو قبلها الفعل (فتحت)، ونحو قوله تعالى:"سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم"، فجاءت الواو قبل العدد ثمانية، ومنها كذلك:"سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما"، وإن كان بعض النحويين ينكرون تلك الواو، ولا يقرون بوجودها في اللغة.
ومنها الواو الزائدة، نحو: "ربنا ولك الحمد"، أي: ربنا لك الحمد.
ومنها الواو الواردة في أسلوب الندبة، نحو قولنا: واإسلاماه!، واقدساه!، وامعتصماه!، وازيداه!، واأختاه!.
ومن الواو التي تبدل من الهمزة في الاسم الممدود عند جمعه جمعا مؤنثا سالما، أو عند تثنيته، كما في نحو: صحراء صحراوان، وصحراوات، ونجلاء ونجلاوان ونجلاوات،وسماء وسماوان وسماوات،وعلياء وعلياوان وعلياوات، وصفراء وصفراوان وصفراوات، وبيضاء وبيضاوان وبيضاوات،ونحوها.
ومنها واو النسب، نحو : أبويٌّ وأخويّ، ودموي ومهوي، ونحوها.
ومنها الواو التي هي حرف مبنى، تتشكل منه الكلمة، كما في نحو: معلوم، ووصل، ويدعو، وواعد، ومواصل، وموافق، ووهن، ووعظ، ووثق، وموقن، وموصل، ومورق، وموفد، وموجب، ونحوها.
ومنها الواو التي تدخل على الصفة فتؤكد لصوقها بالموصوف قبلها، نحو قوله تعالى: "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم" (الحجر ـ 4)، ويسميها بعضهم بالواو المزيدة، لكننا لسنا مع القول القائل بوقوع الزيادة في القرآن الكريم، فهي الواو الداخلة على الجملة التي يوصف بها، وقد أكده ما ورد في المعجم الوسيط، حيث جاء فيه:"وهي الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها، نحو قوله سبحانه:"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم"، وقيل الواو : هي هنا واو الحال.
فهذه عشرون نوعا للواو، وإذا كان الحرف الواحد له كل هاتيك الدلالات، ألا يدل ذلك على شموخ تلك اللغة الشريفة وامتلاكها لأدوات ليست لغيرها من لغات الأرض؟!، وإذا كان لحرف واحد مثل الواو كل تلك الاستعمالات، ألا يوجب ذلك أن نسارع بتعلم هذه اللغة الكريمة، ونقترب منها، ونقف على جلالها، وجمالها وكمالها، ونقائها وصفائها، ونستجلي إمكاناتها، ونسبر أغوارها، ونعطيها شيئا من أوقاتنا المهدرة، وغير المرشدة والضائعة هنا وهناك.
إنها لغة القرآن الكريم، تلك اللغة التي تمتلك ما لا يمتلكه غيرها من لغات البشر على تعددها وتنوعها وكثرتها؛ لأنها اللغة التي ارتضاها الله تعالى لتكون قالبا تُصَبُّ فيه أحكام هذا الدين الخاتم، ويُسجَّل بحروفها الكتابُ الخالد، القرآن الكريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــ
* كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
جمهورية مصر العربية
[email protected]