[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

لم يتمكن أي من فلاسفة العصر الحديث أن يبز كارل ماركس Marx في تحليله وتشخيصه لأمراض اقتصادات رأس المال. هذا الفيلسوف الألماني الفذ كمن على نوع من البصيرة التنبؤية التي تبرهن على صحتها بين الفينة والفينة. إن من يتابع أنباء الساعة لا يمكن إلا أن يستذكر هذا الرجل، فهو عندما يتابع الصراعات المادية من أجل الاستحواذ على الثروة في العالم الرأسمالي، فإنه سيجد أنها صراعات أنانية مميتة.
للمرء أن يستذكر هذا الموضوع وهو يلاحظ، بشيء من التندر، كيف يفقد مديرو الشركات أو المجمعات الرأسمالية الكبرى أعصابهم بسبب هذا التنافس المميت، وكيف يصطنع هؤلاء مختلف الأساليب لتنظيف جيب المواطن على سبيل تكويم المزيد من الدولارات في خزانة واحدة. ثمة نماذج مثيرة للضحك من وحي هذا الاندفاع المتعامي من أجل المال واحتكاره، كقوة سياسية واجتماعية، ومنها (على سبيل الاستذكار فقط) أن تتبرع شركة من نوع (كوكا كولا) بتنظيم مسابقة للقصة العربية.
ولا يدري المرء ما علاقة الـ(كوكا كولا) بنجيب محفوظ أو بيوسف السباعي أو بسواهما من القصاصين. حدث هذا قبل عقود، ويمكن أن يحدث الآن، خاصة وأن شركة (كوكا كولا) تعاني من نقص في الموارد عبر أسواق العالم الغربي، بسبب حملة دعائية كبيرة ضد الكثير من هذه المشروبات اللاكحولية "البريئة" نظرًا لأنها دمار مباشر للصحة، درجة أن محافظ نيويورك السابق قد منع تقديم المطاعم في هذه "التفاحة" الأميركية، أي نيويورك، أقداحًا كبيرة من هذه المشروبات البريئة الضارة بالصحة.
يمكن للمراقب أن يلاحظ، على سبيل المثال، كيف يعمل الإعلام على نحو مضاد لمصالح الشركات الرأسمالية الكبرى، كما حدث منذ عدة أشهر حين أعلن أحد المتخصصين بأننا، رجالًا، إنما "نحرق" الكثير من المال بشراء شفرات الحلاقة، خاصة عندما تكون نوع "جيليه" Gillette المتينة، لأن المستهلك يمكن أن يستخدمها لما لا يقل عن ستة أشهر ويوميًّا دون أن تتلف، إذا ما أحسن تجفيفها بعد كل حلاقة ذقن ووضعها في مكان غير رطب. هذا الخبر لا بد أن يجعل مدير أو مالك شركة الشفرات أعلاه يفقد أعصابه لأن المستهلكين، إذا ما استمعوا لنصيحة المتخصص أعلاه ستخسر ملايين الدولارات بسبب انخفاض الطلب: فبدلًا من شفرة كل يوم، تحتاج لواحدة فقط كل ستة أشهر! فتخيل ماذا سيحدث لواردات هذه الشركة لو كنا اتبعنا نصيحة المتخصص.
أما آخر الطرائف الإعلامية الأميركية فقد بثتها فضائية الـCBS العملاقة، إذ ظهر أحد أفضل الأطباء ليعلن بأن ما أنفقناه من أموال على شراء الفيتامينات المعززة بالمعادن إنما كان أسطورة من أساطير شركات صناعة وتسويق الأدوية، وبكلمات واضحة أعلن الرجل أن جميع الدولارات التي أنفقناها على الفيتامينات كانت في الحقيقة تذهب هباءً منثورا. لا تنس أخي القارئ أنواع الفيتامينات التي تنتجها هذه الشركات، ومنها الفيتامينات المتخصصة لتقوية الجسم وحيويته، وأخرى لتعزيز الدافع الجنسي، وأخيرًا حبات الفيتامينات السحرية التي تقوي العيون والنظر، فتعيد الإشراق لأعين الختيارية من كبار السن! قال الطبيب إنها جميعًا لا تنفع وإن الموضوع بأسره إنما كان خرافة، تم استغفال ملايين المستهلكين عبر العالم بها طوال عقود.
أما الأكثر مدعاة للتندر، فهو نوع من المراهم الطبية المحتوية على هرمون تقوية الدافع الجنسي الذكوري Testosterone، فقد أعلن متخصص أميركي آخر بأنه عندما يوضع هذا المرهم على الجلد، بدلًا من أخذه زرقًا، إنما يتخلله إلى الدم، ثم يتسبب بالجلطات على أنواعها. فليترك الرجال مستحضرات هذا الهرمون "للاستعمال الخارجي فقط" قبل فوات الأوان.