**
عندما أقرأ عن الأثرياء العصاميين أزداد إعجابا وشغفا بسِيرهم، فهم أثرياء صنعوا ثرواتهم بكفاحهم واجتهادهم. لم يرثوا المال عن آبائهم أو أجدادهم، ولم يأت إليهم المجد والشهرة والمال على طبق من ذهب، ولم يتلقوه كعمولة أو رشوة، ولم يمتصوه من دماء الفقراء والمساكين؛ لكنهم أخرجوه من عقولهم وقدموه لبلادهم والإنسانية. فهذا عبقري الاستثمار الأميركي وارن بافييت الذي بدأ تجارته بمبلغ 100 دولار فقط؛ ثم صار أغنى رجلا في العالم، لا يزال يستخدم سيارة فورد طراز 1986 ويروي أشجار حديقة بيته بنفسه، وكان قبل ذلك يستخدم سيارة فولكس فاجن قديمة ويقيم في شقة عادية، وليس ذلك الزهد في الانفاق على ملذاته نتيجة بخل أو إمساك أو تقتير خشية الإملاق والفقر، كلا فقد أنفق في عام 2006 مبلغ 40 مليار دولار على شكل تبرعات وصدقات. وقد أخبرني الدكتور خالد المشيخي الذي تخرج من جامعة نبراسكا في الولايات المتحدة في العام الماضي 2015، بأنه حظي بالتصوير مع الملياردير العجوز الذي تبرع للجامعة نفسها بمبالغ طائلة شيدت منها ثمانية مبان فضلا عن المدارس والمختبرات والمستشفيات وهذه التبرعات تشكل جزءا يسيرا جدا من إنفاقه الخيري الذي يشكل 83% من ثروته. وماذا يمكن القول عن ثراء عبقري شركة الميكروسفت بل جيتس الذي يرشد إنفاقه على نفسه وعلى أسرته ويبسط يده كل البسط على الفقراء والمساكين والأيتام حول العالم، وتوج جهده الخيري عندما تقاعد من شركته؛ ليشرف بنفسه على مؤسسته الخيرية وليكمل مشوار حياته في إدخال البهجة إلى نفوس المحتاجين. وماذا يمكنني القول عن رجل الأعمال السعودي المرحوم سليمان الراجحي ـ رحمه الله ـ وعن أسرة بهوان في السلطنة الذين تذهب صدقاتهم إلى الفيافي والوديان والقرى، إن جميع هؤلاء وغيرهم ممن يبسطون أيديهم بالصدقة هم من العصاميين الذين بدأوا تجارا صغارا ثم تنامت ثروتهم وكلما أنفقوا أكثر تضاعفت ثرواتهم. جاءت هذه الأفكار إلى عقلي وأنا أقرأ قصة الشاب الهندي صابر باتيا الذي جاء إلى جامعة ستنافورد للدراسة ثم تخرج منها بامتياز وشق طريقه حتى اخترع الهوتميل ثم باعه إلى شركة الميكروسوفت لبل جيتس، بمبلغ 400 مليون دولار، لم يمسك منها سوى 100 مليون دولار وتبرع بالباقي لتعليم طلاب محرومين من التعليم في بلاده من خلال بناء المدارس والمستشفيات والمعاهد، وبلغ من الشهرة درجة رفيعة جعلت الرئيس الأميركي السابق بيل كيلنتون يستضيفه وكذلك فعل رئيس وزراء بلاده بيهاري فاجباني.
وفي السلطنة وفي حدود معرفتي المتواضعة بالعصاميين؛ أزداد ابتهاجا بمعرفة مجموعة من الشباب العمانيين العصاميين الذين يسخرون ثرواتهم لخدمة وطنهم، ومن هؤلاء الشاب عثمان رعفيت الذي لا يرد سائلا، وعندما سألته ذات يوم عن سر اتجاهه لبناء شركته، أجابني بأن أكبر عامل دفعه إلى العمل الذاتي الحر هو عفته وزهده عما في أيدي الآخرين، ولا أنسى أيضا الشاب المهندس ياسر البرعمي الذي يتبنى من وقت لآخر أنشطة دعم وتدريب الشباب والباحثين عن العمل. بمثل هؤلاء العصاميين تتقدم الأمم والشعوب، فهم منارات تلهم الآخرين الإبداع والمثابرة وتنشط قيم الخير والإيثار في نفوس الآخرين على مر العصور.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية