**
أسدل الستار على معرض مسقط للكتاب في أكبر تظاهرة فكرية دامت قرابة عشرة أيام زهت بها العاصمة العمانية المتألقة في عرس ثقافي بهيج ضم ثلة من المهتمين والمتابعين والقراء، وانعكس ذلك على الحضور الجماهيري الكبير منذ إطلالته الأولى، فصار معرض الكتاب بمثابة محطة علمية نرتشف منها المعارف، ونكتشف كنوز العلم في أمهات الكتب، كما نفتش عن الجديد من الثمين المعرفي، حين تتاح فرصة الحوار وإبداء الرأي والاسهام في تطوير الفكر والوقوف عند محطات البحث والاستقصاء مع التنوع في المعاجم واللغات والتراجم، والأدب ومختلف العلوم ناهيك عما يعرض من أمسيات ثقافية وحلقات عمل ومسرحيات احتلت مكانة مرموقة في قلوب عشاق الكتاب ونهم القراءة مما حدا بهم التفاعل مع المعطيات العلميّة والمعارف مما يمكننا القول بأنّ ذلك دلالة على وعي المجتمع العماني بقيمة القراءة وإدراكه اللامتناهي بأنها فعّالية حضارية تمثل الوجهة الأخرى في عملة الإبداع، مع إيمانه العميق بأن الكتاب ثروة العالم المخزونة فلا عجب أن نجد تلك الأفواج من عشاق الكتاب تحرص على اقتناء الفكر كما تحرص على النهوض العلمي لأبنائها من خلال اصطحابهم إلى الفعاليات المصاحبة لهذه التظاهرة الثقافية الفريدة حين اعتبرت بأنها أفضل إرث ومكسب للأجيال والأمم..
لقد احتضنت أروقة معرض الكتاب العربي ثلة من الكتاب المبدعين وصال فيها عدد من المفكرين والأدباء، فوضعوا بصمة فاعلة من خلال مداخلاتهم وأطروحاتهم التي نالت الاستحسان في الدعوة الصادقة إلى بناء مجتمع ثقافي متفرد بالقراءة، متحصن بالعلم والأدب، يرتدي حلل القيم والمبادئ، ويتقبل الآخرينخصوصا وأننا نؤمن بأنّ الكتاب نافذة نتطلع من خلالها إلى العالم فيصبح الكتاب وطنا نعيش في دواخله، يشعرنا بالمتعة والسعادة.
لقد استوطن معرض الكتاب دماء المبحرين إلى ثقافة القراءة والمهتمين بتوطيد العلاقة العلميّة والمعرفيّة مع الكتاب، فأعلن عبر أروقته عن جائزة المبادرات المجتمعية دعما للقراءة وحرصا على كسب الرهان بأننا نهرول جيدا في مسارات الفكر والأدب ونخطو خطوات واثقة نحو التقدم العلمي المستنير المسترشد والحريص على فتح أبوابه لجميع الثقافات التي تحمل رسائل الحب والسلام والفكر والثقافة والاستزادة في الانتاج العلمي ومواءمة ذلك عبر الثقافة العمانية ودعمها وترسيخ قيمها وأهدافها النبيلة بهدف تشجيع أساليب الحوار وطرح فكر مستنير يعمل على فتح مسارات أكثر رحابة وأوسع شأنا في الجوانب الثقافية في جو ازدان بالخيال الواسع المفعم بالعطاء والتجديد وتعزيز ثقافة القراءة والانتاج العلمي.
إنّ ما شدني حقا في هذا المعرض المتفرد بصيغ المؤلفين العمانيين تلك المطبوعات المتنوعة والمتعددة للكتّاب العمانيين في مختلف العلوم والمجالات الدينية منها والعلمية والأدبية والمجتمعية وما ذلك إلا ترجمة فعلية للمسيرة الثقافية والفكرية الراقية في البلاد كما لا يفوتنا ذلك الدعم المطرز بخيوط التفاؤل والأمل والعطاء من لدن وزارة الاعلام وعلى رأس قامتها معالي وزير الاعلام حين يشرف بشخصه ويجول ويصول راعيا أمسيات وجلسات ويدير نقاشات وحوارات بمشاركة عدد من الادباء العمانيين بمشاركة اخوانهم من الدول العربية كما كان وقع رائعا في أروقة هذا المعرض المعطاء في الاحتفاء بالأدباء العمانيين الراحلين عن الدنيا فكان لهم نصيب وافر من التكريم وكأنهم حاضرون بين أيادينا وليس ذلك فحسب بل نال الاحتفاء بالراحلين من خارج الوطن حين عقدت جلسة احتفائية للراحل محمد حسنين هيكل في ذاكرة اجيال وشاهد مرحلة.
على كل يحق لنا أن نصف المشهد الثقافي العماني من خلال معرض الكتاب بأنه يستمد نوره العلمي من عمق ضارب في جذور التاريخ الفكري في هذا البلد من علماء أجلاء زانوا التاريخ بأفكارهم ومعارفهم وزادوا المكتبات العلمية رصيدا يستفيد منه اليوم طلاب العلم والمعارف وتركوا لنا إرثا علميا يحق لنا أن نفخر بحضوره في الأوساط الفكرية والعلمية. كما يحق لنا القول بأن معرض الكتاب عشق ومعين لا ينضب.

د.خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]