بعد ثلاثة أعوام ونيّف على تحركات مؤامرة ما سمي "الربيع العربي"، وما أصاب الوطن العربي في مقتل جراء حالة الفوضى والإرهاب المستشرية، فإن بعض المواطنين العرب بحاجة إلى أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ولو للحظات قليلة، ويفتحوا أضابير تاريخهم القديم والجديد، علهم يجدون ما يعيد إليهم وعيهم الذي غيبته السياسة الغربية الاستعمارية المنافقة والمتحالفة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي رأس حربة التآمر على المنطقة عبر دعاياتها الممجوجة والمفضوحة التي تكفلت آلتها الإعلامية وبعض الإعلام العربي الموالي والتابع للسياسة الاستعمارية الغربية بلعب دور لا يمكن إنكاره في غسل أدمغة السواد الأعظم من المواطنين العرب، وتغييب وعيهم وتزييف الواقع وإيهامهم بأن ما يجري من فوضى وإرهاب هو "ربيع عربي"، ستدنو ثماره من أيادي الجميع بمن فيهم الباحثون عن العدالة والمساواة والفقراء والمعدمون.
اليوم لا تزال ليبيا تقدم مثالًا بارزًا عن حقيقة مؤامرة "الربيع العربي" من خلال مسارات الأحداث المتجددة فيها والمزدحمة بين الفوضى والإرهاب وبين السرقة لثرواتها النفطية وفي وضح النهار لتكشف مسارات الأحداث فيها عن الحقيقة الصادمة وهي أن الدولة الليبية بالأساس باتت رهينة بأيدي القوى التي قامت بإلقاء حمم نيرانها وقنابلها مختلفة الأحجام وصواريخها متعددة المديات، والتي تملك تاريخًا عريقًا في عمليات الإبادة والتدمير والاستيلاء على الثروات واستعمار الدول، ومن يملك هذا التاريخ معروف عنه أنه لا مشروع له سوى الخراب والتدمير والتفتيت والتقسيم والإرهاب والفتن في تلك الدول وقطع أي صلة لها بالعالم المعاصر أو المستقبل. كما غدت ليبيا دولة مخطوفة بأيدي جماعات مسلحة تمارس الإرهاب والعنف ضد الجميع بما في ذلك الحكومة والبرلمان.
ولذلك لا غرو أن تتحول ليبيا إلى دولة فاشلة حيث لا مؤسسات للدولة ولا قوى أمنية وجيش قوي قادر على ضبط الأمور المنفلتة، وصون السيادة وحفظ الثروات من النهب والسرقة، ولا تزال خاضعة لسيطرة الفوضى والإرهاب بسبب الجماعات المسلحة التي تمارس التطهير والاغتيالات المتكررة والخطف لكل من له صلة ببناء الدولة أو العلاقات بالعالم الخارجي، خارجة على القانون وعلى سلطة الدولة ولا تفهم سوى لغة السلاح. ولعل عملية خطف علي زيدان رئيس الوزراء المقال، واستهداف السفارات الأجنبية وتهريب النفط خارج سلطة الدولة والحكومة، والاحتكام إلى البلطجة والفوضى والإرهاب والعنف والاغتيال، أبرز دليل على تحول ليبيا إلى دولة فاشلة شكلًا ومضمونًا.
والمؤسف أن كل ذلك يتم تحت كذبة "الثورة" لتبرير تلك الأعمال الإجرامية للقوى الظلامية المستبدة الخادمة للمشروع الأكبر لقوى الاستعمار الغربية بتمزيق الدول العربية إلى كيانات طائفية متناحرة والسيطرة على ثرواتها، ولهذا حين استشعرت قوى الاستعمار خطر فقدانها الثروة النفطية التي قامت من أجلها بتدمير البنية التحتية الليبية وقتل عشرات الآلاف من الشعب الليبي بسبب عمليات التهريب والقرصنة، سارعت إلى اتخاذ إجراءات لمنع التهريب، حيث استصدرت أمس الأول قرارًا من مجلس الأمن الدولي تبناه بالإجماع يدين محاولات تصدير النفط الخام من ليبيا بصورة غير مشروعة. لكن دون الإتيان على ما أعلنه المتدخلون عسكريا أثناء وبعيد حملتهم العسكرية من إعادة إعمار وبناء مؤسسات الدولة الليبية والوفاء بذلك ومساعدة الحكومة التي أصدرت أمس الأول بيانًا تعترف فيه بوجود جماعات إرهابية داعية "المجتمع الدولي والأمم المتحدة خاصة إلى تقديم الدعم الضروري من أجل استئصال الإرهاب من المدن الليبية".
إذن، الصورة واضحة تمامًا في ليبيا ولا تحتاج إلى مزيد من الشرح، إذ المبتغى للغرب الاستعماري من التدخل العسكري في ليبيا والتدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة من خلال مؤامرة "الربيع العربي" أن تظل دولًا فاشلة حائرة بين سلطات عاجزة وجماعات مسلحة تمارس العنف والإرهاب والتفجيرات والبلطجة، وبين نزعات التدمير والتفتيت والانفصال، والتدخل الغربي لمنع هذه المظاهر ممنوع.