[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
كأي قمة ـ عربية كانت أو إسلامية ـ لم تخرج قمة منظمة التعاون الإسلامي التي اختتمت أعمالها أمس الأول في العاصمة الإندونيسية جاكرتا عن الصورة النمطية المعروفة التي اعتادتها كل القمم العربية والإسلامية وحتى الخليجية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث جاء البيان الختامي للقمة على صورة "القص واللص" لبيانات القمم السابقة.
وبالنظر إلى الظرفية التي عقدت فيها القمة والتي ترتفع فيها المزايدات الكلامية والمواقف الجوفاء والعرجاء، وترتفع معها وتيرة اللغو السياسي المصحوب بالتصعيد والتسخين إلى حد الابتذال الممجوج، ليتحول كل ذلك مع الوقت إلى أهداف معدة مسبقًا للتنفيذ، حين تصل العلاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني إلى مستوى العهر السياسي وليس المراهقة وحدها، فإن القمة بقزمية موقفها من القضية الفلسطينية وقضية القدس والمسجد الأقصى الشريف لم تخرج عن المناخ العام الذي تفعل فيه قوى أفاعيلها المشينة والمعيبة لجر كل الرسميين وغير الرسميين من العرب والمسلمين إلى وضعية الانبطاح أمام كيان الاحتلال الصهيوني وحلفائه الاستراتيجيين، وتقديم فروض الولاء والطاعة لهم؛ ولذلك كانت لغة البيان الختامي والكلمات الافتتاحية بما فيها من تسوُّل وتذلُّل أشبه ببازار حاول بعض أبطالها تقمص دور البطل والمبارزة بين بعضهم بعضًا، لكنها ـ للأسف ـ لم تكن هذه المبارزة إلا بسيوف من خشب سرعان ما تكسرت حين تلاقت ليتناثر حطامها على رؤوس أصحابها.
لا نبالغ حين نقول إن القمم العربية والإسلامية ليست سوى منصات متقدمة للمبارزة بين الجالسين على مقاعدها، بينما بياناتها قد صيغت مسبقًا في البيت الأبيض وتل أبيب، وأغلب كلماتها الافتتاحية ما هي إلا ترجمة حرفية للنص القادم من "سي آي إيه" و"الموساد" عبر البريد العاجل، ذلك أن المضمون الذي ورد في البيانات السابقة هو ذاته اليوم يعاد وإن اختلف بعض الكلمات والجمل بين التقديم والتأخير. ومن بين ما ورد في بيان قمة جاكرتا جملة "نطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين".. و"العالم الإسلامي يشجع المجتمع الدولي على حظر استيراد المنتجات الإسرائيلية". فألفاظ مثل نطالب وندعو ونستنكر باتت ألفاظًا مستهلكة ومعبِّرة عن ضعف وتسوُّل وتذلُّل، وعدم إرادة وجدية، في حين أن الواقع على أرض فلسطين قد تجاوز الكلام ومستوى الأفعال "نطالب وندعو ونستنكر"، وأضحى بحاجة ماسة إلى تحرك يتناسب معه ويفوق مستوى الكلام الإنشائي الذي يتلقاه كيان الاحتلال الصهيوني ويترجمه إلى أفعال على الأرض.
المثير للضحك والسخرية، والمخزي في الوقت ذاته، أن انعقاد قمة منظمة التعاون الإسلامي في جاكرتا تزامن مع تطبيع علني وسري متسارع مع كيان الاحتلال الصهيوني، لدرجة أن أنظمة عربية أصبحت ترى أنه حامي حمى "الاعتدال" في المنطقة، وأن قوة هذا الكيان الإرهابي الاحتلالي هو مكسب لها وضمان لها، وثالثة الأثافي أن انعقاد القمة ومطالبة بيانها الختامي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي يأتي في الوقت الذي لم يبقَ من القدس إلا رسمها ومن فلسطين سوى ذكراها التي أخذت تتلاشى وسط تيار التطبيع النشط والعلاقات العضوية بين "الثوار/الأحرار" في "داعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام وجيش الفتح وغيرها" بسوريا وليبيا وبين كيان الاحتلال الصهيوني. وأيضًا المثير للسخرية والمخزي في الوقت عينه، هو أن انعقاد القمة تزامن مع قيام ما يسمى "اللجنة الوزارية لشؤون التشريع" التابعة لمجلس الوزراء الإسرائيلي بمناقشة مشروع قانون، ينص على حظر استخدام مكبرات الصوت في المساجد بالمناطق التي يقطنها المسلمون، تمهيدًا لرفعه إلى الكنيست. والذريعة لتشريع هذا القانون هي أن مئات الآلاف من قطعان المستوطنين يعانون من استخدام هذه المكبرات لرفع الأذان.
وبشيء من الصراحة ، لم يكن أحد بوارد انتظار حصول انقلاب في دور منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية فيما يخص القضية الفلسطينية، كما لا يمكن التعويل عليهما تحت أي عنوان، لذلك الصراحة التي شكا فيها التأخر والتي جاءت في كلمة العاهل المغربي محمد السادس، وتركًا للبحث في دواعيها، تلخص حال العرب والمسلمين الرسميين وغير رسميين، حيث قال الملك المغربي إنه "أمام تعاظم مسؤولية كل مكونات المنتظم الدولي، لكونه تأخر كثيرًا في إيجاد التسوية العادلة للقضية الفلسطينية وفي رفع المآسي عن الشعب الفلسطيني، فإنه ينبغي ألا ننفي عن أنفسنا نصيبنا من هذه المسؤولية، إذ تخلفنا أحيانًا عن الموعد، واتخذنا، أحيانًا أخرى النهج الفردي، وسقطنا في الخلافات المفتعلة، وأسباب التفرقة والانقسام". وأضاف إنه من حيث "عدد الاجتماعات، وكم القرارات والبيانات، والكَـرَم في التعهدات، وتعدُّد، إن لم يكن تفريخ المؤسسات والصناديق، التي تُعنى بالقضية الفلسطينية، فيمكن القول إننا كنا متفوقين. لكن، من حيث العمل، في إطار ما هو ممكن، فإن النتيجة لا تحتاج إلى توضيح". ولذلك في إطار هزال ما تخرج به القمم العربية والإسلامية، وعلاقات التطبيع والتآمر والخيانة تتم في السر والعلن، فإن من الأجدى عدم انعقادها مواكبة لسياسات التقشف التي تتبعها الدول العربية والإسلامية جراء تراجع أسعار النفط توفيرًا للمال والوقت والجهد. وفي تقديري، مثلما بدت قمم جامعة الدول العربية عبئًا على أعضائها ستغدو قمم منظمة التعاون الإسلامي هي الأخرى عبئًا.