[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/09/sayed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]السيد عبد العليم[/author]
” إن المتقصي في الأمر يجد حقا أن هناك عنوسة تصل في نسبتها إلى أكثر من 30% في كثير من مجتمعاتنا توجب التعاطي معها وعلاجها. لكن في نفس الوقت، هناك أيضا عنوسة على مستوى الشباب. فهناك أعداد كثيرة من الشباب المؤهل والراغب في الزواج ولكن أحواله المادية لا تسمح له. ولا سيما في ظل التعقيدات الكثيرة التي تعرقل وتعقد عملية الزواج من الأساس سواء من خلال الأعراف والعادات المكلفة والصعبة أو غيرها.”
ــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة مشاكل اجتماعية كثيرة تواجه أغلب، أن لم يكن كل المجتمعات العربية تقريبا. يأتي في مقدمتها مشكلة العنوسة التي استشرت في كثير من البلدان وصارت تمثل تهديدا حقيقيا ومشكلة كبيرة مؤرقة يجب التعاطي معها بالقدر الذي تستحقه والتفكير الجدي في علاجها. واللافت أن هذه المشكلة تنتشر بشكل كبير في البلدان الخليجية الغنية، وليست مقصورة على البلدان الفقيرة الأخرى. الأمر الذي يدفع الى بحث تلك الظاهرة والسعي الجاد لمعالجتها لما لها من آثار سلبية على المجتمع. حيث يمكن ان يترتب عليها جرائم ومشاكل من قبيل لجوء الشباب الى ما يعرف بالزواج العرفي، خاصة بين طلبة الجامعات، او ارتكاب الافعال المحرمة وانتشار اطفال الشوارع وغير ذلك من المشاكل التي تقوض المنظومة الاجتماعية للبلدان.
وللأسف هناك تفكير او محاولات لمعالجة مشكلة العنوسة، تزيد المشكلة بمشاكل بدلا من حلها وذلك من خلال ما نراه وما نسمعه من دعاوى لتعدد الزوجات بلا ضرورة سوى لمواجهة ظاهرة العنوسة، لدرجة ظهور حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لتعدد الزوجات. كما نجد أفرادا يقومون بالزواج بأكثر من واحدة بلا ضرورة. وعند السؤال عن السبب في ذلك، تكون الحملقة والرد ان هذه سنة وان ذلك لعلاج زيادة عدد النساء في المجتمع والعمل على التصدي للعنوسة. وكون هذا الامر سنة ليس محل جدال او نقاش لكن له ضوابطه واحكامه الشرعية. اما بالنسبة لمواجهة العنوسة بهذه الطريقة، فإن الأمر يحتاج الى توضيح: فهل ثمة إحصاءات رسمية معتمدة تم إجرائها تؤكد ان عدد النساء يزيد او يضاعف عدد الرجال؟ فعلى حد علمي فان هذه الزيادة لم تحدث حتى في الظروف القهرية في الحربين العالميتين الاولى والثانية والتي راح ضحيتها ملايين البشر.
ان المتقصي في الامر يجد حقا ان هناك عنوسة تصل في نسبتها الى اكثر من 30% في كثير من مجتمعاتنا توجب التعاطي معها وعلاجها. لكن في نفس الوقت، هناك ايضا عنوسة على مستوى الشباب. فهناك اعداد كثيرة من الشباب المؤهل والراغب في الزواج ولكن احواله المادية لا تسمح له. ولا سيما في ظل التعقيدات الكثيرة التي تعرقل وتعقد عملية الزواج من الاساس سواء من خلال الاعراف والعادات المكلفة والصعبة او غيرها. وهنا يكون العلاج بالعمل على مساعدة مثل هؤلاء الشباب على الزواج بتلك الفتيات. وذلك من خلال توفير وسائل لمساعدتهم على الزواج سواء عبر صناديق مالية او مؤسسات حكومية أو جمعيات اهلية او غيرها. وليس باستحواذ بعض الرجال على الكثير من النساء. لتزيد من معاناة كل الاطراف. فهذا الرجل المتزوج والذي تزوج بأخرى بلا ضرورة، بالطبع يزيد من اعبائه ومسئولياته، فضلا عن توتير علاقته بزوجته القديمة ومتاعب الكثير منهن نفسيا. اضافة الى زيادة معاناة ذلك الشباب غير القادر على الزواج جراء غلاء المهور والتعقيدات الكثيرة في وجهه بما يجعل عملية الزواج شبه مستحيلة. فتكون نظرته للمجتمع على انه يسوده الشح والطمع، بشكل يجعل الغل والحقد يهيمن على هؤلاء الشباب من اولئك الرجال خاصة. في كيف يستحوذون على اكثر من زوجة في الوقت الذي لا يستطيع هو الحصول على واحدة فقط لأسباب ربما تكون في كثير من الاحوال خارجة عن ارادته كضيق سعة اليد. بل وربما كان هناك رجال، فقدوا زوجاتهم بالوفاة او بالعجز وغير ذلك، ولا يكونوا قادرين على الزواج مرة اخرى. فتكون مساعدة هؤلاء وغيرهم على الزواج اولى واجدى في معالجة العنوسة.
وفي هذا السياق ومما يزيد الامر سوء تلك الفتوى التي شاهدت أحد المشايخ يعلنها بالإنابة عن هيئة علماء الشام كما يدعي. يرى فيها انه سيكون في اخر الزمان كثرة القتل وبالتالي سيقل عدد الرجال ويكثر عدد النساء حتى يصير الرجل مقابل خمسين من النساء. وبناء عليه يرى او يفتي بأنه مع ما يجري في سوريا، يكون على المسلم الذي يستطيع ايواء سورية ان يتخذها ملك يمين له طالما كان قادرا على ايوائها وكفالتها.

في الواقع، فان مثل هذه الفتوى الغريبة تثير عدد من التساؤلات:
هل تم عمل احصاء لتوضيح حقيقة عدد النساء مقابل عدد الرجال في سوريا؟ ففي ظل المآساة التي تعيشها سوريا، لا يوجد هناك احصاءات دقيقة وموثقة بشأن عدد السكان ونوع السكان من حيث الجنس ليتم الحكم بان النساء صاروا اكثر من الرجال. ثم ان القتل في سوريا لا يفرق بين الرجال والنساء. فعندما يتم قصف مواقع مدنية من منازل او مدارس او مؤسسات وغيرها، فالقتل هنا لا يميز بين ذكر وانثى وفي الغالب ما يكون الضحايا الاكثر بين النساء. بل ان هناك نساء يشاركن في كتائب قتال مع الرجال كما هو حال المتطوعات في قوات البشمركة الكردية للتصدي لمقاتلي تنظيم الدولة(داعش).
واذا كان هذا هو الحال او الحل كما يرى ذلك المفتي بالنسبة للنساء، فما هو الحال بالنسبة للرجال والشباب والاطفال والكهول؟ فاذا كان هناك مهاجرة سورية معها محرمها سواء كان اخ او اب او حتى زوج او.. الخ. أو هاجرت اسرة سورية بكاملها، هل يتم استقبال النساء فقط، ويقال لبقية الاسرة لا مرحبا بكم. نريد نسائكم فقط لتكون ملك يمين لنا!
هل تفعل ذلك أوروبا(غير المسلمة) مع العوائل والنساء السوريات المهاجرات اليها وهن بمئات الالاف؟ وهل يفعل ذلك الاردن وتركيا ولبنان وغيرهم، بان يكون الشعار مرحبا بالاناث وبعدا للذكور!
وهل فعل ذلك نجاشي الحبشة مع الصحابة والصحابيات في هجرتي الحبشة؟
وهل فعل ذلك الانصار في يثرب (المدينة المنورة) مع اخوانهم واخواتهم من المهاجرين والمهاجرات من مكة؟
ثم ان هؤلاء لم يخرجن كسبايا في حرب حتى يتم استرقاقهن.
وكيف يتم استرقاق مسلمة, وقد جاء الاسلام للقضاء على الرق من الاساس؟
ان تلك الممارسات وهذه النظرات والفتاوي الغريبة بحاجة الى نظرة عميقة للموضوع من كافة جوانبه، وليس النظرة السطحية والقاصرة في كثير من الاحيان والتي في ظاهرة الرحمة وفي باطنها العذاب.