[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/03/must.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أحمد مصطفى[/author]
” ينطبق على دونالد ترامب نموذج الأميركي المغامر القادر على التغيير الظاهر، وربما كان أقرب لما يتصوره الأميركيون العاديون حاليا عن "الحلم الأميركي" الذي يكاد أن يكون خبا بريقه. حتى لو اختلف شكل "الحلم" عما كان عليه وقت الآباء المؤسسين، فإن الحلم الجديد أشبه لناسه وهؤلاء الناس قد يرون ترامب ممثلا لهم أكثر من غيره.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم احتدام التنافس في الانتخابات التمهيدية لاختيار الحزبين الأميركيين مرشحيهمالانتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم، لكن الناخبين الأميركيين ومعهم العالم كله لن يعرفوا المرشحين النهائيين إلا بعد مؤتمري الحزبين في يوليو. وإن كان كثير من المحللين والمراقبين، خاصة من خارج الولايات المتحدة، بدأوا بالفعل يبنون توقعاتهم على تنافس بين هيلاري كلينتون مرشحة للحزب الديموقراطي ودونالد ترامب مرشحا للحزب الجمهوري. تتميز الانتخابات الأميركية عادة بملامح متكررة من قبيل: مرشح جمهوري ومرشح ديموقراطي (والمستقلون لا يحققون أي انجاز يذكر)؛ غالبا ما لا يختار الناخبون مرشحا من الحزب الحاكم في الانتخابات التي تتم بعد دورتين لذات الرئيس؛ بعض الأعمال والقوى عندما تدعم مرشحا يفوز بغض النظر عن أي أصوات جماهيرية؛ في الانتخابات التمهيدية تحسم الوفود الحزبية المرشح للحزب.. وهكذا.
لكن هذه المرة، نبحث عن الاختلاف، وأهم ما تجده جديدا هو صعود لجوء الأميركيين لأفعل تفضيل متصل. فبعد انتخابهم "أول" رئيس من اصول افريقية لفترتين، هو الديموقراطي باراك أوباما يسعى الأميركيون للمحافظةعلى صيغة التفضيل ذاتها "أول". فبنظرة سريعة على المرشحين الباقيين في السباق حتى الآن نجد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي إن وصلت إلى نهاية سباق الرئاسة، فستكون"أول" رئيسة امرأة للولايات المتحدة. أما القطب الثاني في الحزب الديمقراطي، فهو بيرني ساندرز، الذي يعتبر "الأطول" خدمة في مجلس الشيوخ الأميركي، وفي حال انتخابه رئيسا لأميركا، فإنه سيصبح "أول"رئيس أميركي من أصول يهودية. وبالنسبة للحزب الجمهوري، فإن أبرز المرشحين هو دونالد ترامب، رجل الأعمال بالغ الثراء الذي كون ثروته من التطوير العقاري، والذي إن وصل إلى البيت الأبيض فسيكون " أول"رئيس أميركي ذي خلفية بعيدة جدا عن السياسة. أما تيدكروز، الذي يتميز بفصاحة في الكلام وبلاغة الأسلوب، فهو "أصغر" عضو في مجلس الشيوخ من ولاية تكساس، وفي حال انتخابه سيكون "أول" رئيس أميركي من مواليد كندا. أماماركو روبيو فإن أصوله كوبية، ومع أن حظوظه ليست قوية، إلا أنه في حال أصبح رئيسا لأميركا فسيكون "أول" رئيس أميركي من أصول لاتينية.
تتضمن صيغة التفضيل الأميركية في هذه الانتخابات الرئاسية إذا "أول" بالأساس، ثم "أطول" و"أصغر" ويعلم الله ماذا سيلقى علينا أيضا من صيغ تفضيل أخرى. ولا يتعلق الأمر هنا بالترفيه واصطياد الغرائب في هذه الحملة الانتخابية الممتدة لنحو عام، بل إن صيغة التفضيل تلك تلعب دورا في تحديد المزاج العام للناخب الأميركي وبالتالي تسهم كعامل في تحديد التوقعات لمن سيدخل البيت الأبيض ويقود القوة الكبرى الأولى في العالم. وبما أن الحكمة التقليدية ترجح انتخاب رئيس جمهوري خلفا للديموقراطي الذي تولى فترتين، فهذا يعني أن دونالد ترامب قد يكون اوفر حظا. لكن صيغة التفضيل قد تلعب دورا يتجاوز الحكمة التقليدية، فبعد انتخاب أول رئيس من اصول افريقية قد يحبذ الأميركيون اختيار امرأة للرئاسة، لتكون "اول" رئيسة. ويلعب لصالح هيلاري كلينتون أنها خبرت العيش في البيت الأبيض، زوجة للرئيس الأسبق بل كلينتون ومن ثم فيسهل عليها تبادل دور "السيدة الأولى" بلقب "الرئيسة الأولى". كما أن كلينتون خبرت البيروقراطية الحكومية للإدارة الأميركية بعملها وزيرة للخارجية مع الرئيس أوباما.
لكن بما اننا نتحدث عن "المزاج" العام للشعب الأميركي فربما يكون دونالد ترامب أوفر حظا، رغم كل من نقرأ ونسمع عن اعتراضات أميركية من النخب المختلفة على ان يتولى شخصا مثله الرئاسة. أولا، بما أنه سيكون أول رئيس بلا خلفية سياسية فهذا يناسب "مزاجا" غربيا عاما وليس أميركيا فقط يكاد يكون سئم "كذب السياسيين" ويفضل حاكما من خارجهم. وربما كان ترامب رجل أعمال غير تقليدي، متسق إلى حد كبير مع توجهات معاصرة لا تقيم وزنا كبيرا لكلاسيكيات الأعمال. يعتبر "شباب الألفية"، او من يسمون بالانجليزيةMillennials، أن أمثال ترامب اقرب إليهم من أصحاب الياقات البيضاء التقليدين. وتلك نقطة اخرى تضاف إلى ترامب، لأنه بسلاطة لسانه وعنجهيته الفارغة أحيانا غنما يساير توجها لم يعد يقتصر على المجتمعات الغربية المتقدمة بل تراه في طبقات "الأغنياء الجدد" في مجتمعات بعض دول العالم النامي.
باختصار، ينطبق على دونالد ترامب نموذج الأميركي المغامر القادر على التغيير الظاهر، وربما كان اقرب لما يتصوره الأميركيون العاديون حاليا عن "الحلم الأميركي" الذي يكاد أن يكون خبا بريقه. حتى لو اختلف شكل "الحلم" عما كان عليه وقت الآباء المؤسسين، فإن الحلم الجديد أشبه لناسه وهؤلاء الناس قد يرون ترامب ممثلا لهم أكثر من غيره. بالطبع لا يعني هذا توقعا لنتائج الانتخابات الأميركية، التي لم يحسم بعد من سيتنافس فيها. فلن تنتهي تمهيديات الحزبين قبل الصيف، وما أن نعرف أن هناك مرشحين اثنين تبدأ توقعات جديدة وتحليلات مختلفة.
المهم أن كل هذه التفصيلات والتخرصات وإن بدت متعلقة بأشخاص لكنها لا تغير من طبيعة النظام الأميركي. وحتى مع تغير مزاج الناس العاديين والناخبين، فسيظل الحكم يدور في تلك الدائرة المعروفة سلفا وتتحكم فيه ذات القوى التي تدير دفة الأمور بعيدا عن أضواء الرئاسة ومؤسسات الإدارة الرسمية.