[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alwatanopinion.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]رأي الوطن[/author]
دأب كيان الاحتلال الصهيوني على إعطاء الانطباع للمجتمع الدولي بأن مسعاه الأول والأخير هو السلام والاستقرار، وأن قياداته تمتلك من القدرة ما يكفيها على اجتراح الحلول والعمل لصالح السلام والاستقرار.
ومن المؤسف أن بعض الوسطاء الدوليين في الصراع العربي ـ الصهيوني كانوا ـ ولا يزالون ـ يتبنون في خطابهم السياسي هذه المواقف الدعائية الصهيونية، ويتكفلون بنقلها إلى شعوبهم لترسيخ الصورة المشوهة والمغلوطة التي يعمل عليها كيان الاحتلال الصهيوني منذ اغتصابه فلسطين بأنه يسعى إلى السلام على الرغم من وقوعه وسط بحر من الأعداء، بل وتتدخل جهات خارجية لدعم هذه التوجهات والمساعي المغايرة للواقع التي غالبًا ما تتخذ ستارًا لتغيير هوية الأراضي والمدن الواقعة تحت الاحتلال، والاستمرار في سياسة النهب والقضم والضم، وما المحاولات الدؤوبة التي تستهدف القدس المحتلة الآن بتغيير هويتها العربية والإسلامية سوى أبلغ الشواهد على ذلك، حيث أعلن كيان الاحتلال الصهيوني بعد احتلاله المدينة المقدسة في حرب يونيو 1967 ضمها إليه وإعلانها عاصمة أبدية له في إطار توجهه الذي يشتغل عليه الآن وهو ابتزاز الفلسطينيين للاعتراف بيهوديته، رافضًا في سبيل ذلك الاعتراف بالحقوق الفلسطينية بدءًا من حدود عام 1967م وعودة اللاجئين وحق الأسرى في الحرية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الحرة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
العالم كله بات يعرف، بل وعلى يقين تام أن كيان الاحتلال الصهيوني هو كيان احتلالي وأنه يخالف مواثيق الأمم المتحدة في شأن حماية الشعب الواقع تحت الاحتلال واحترام قدسية مقدساته، ويتعدى على القرارات الشرعية ذات الصلة بالصراع العربي ـ الصهيوني.
ولكن رغم هذه الحقيقة الساطعة فإن الموقف الأميركي من الصراع العربي ـ الصهيوني لا يزال موقفًا سلبيًّا ولا يتوافق مع أبسط قواعد النزاهة والشفافية في الوساطة، فالجهود التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لا تزال "محلك سر" بسبب هذه السلبية الطاغية على الموقف الأميركي وعدم قدرته على اجتراح الضغوط ـ ولو قليلًا منها ـ على حليفه المحتل لتسويق أفكاره من ناحية، ولإعطاء أفكاره فرصة النجاح والقبول وكذلك المصداقية من ناحية أخرى، بل إن منسوب الشك وعدم الثقة بدل أن يعمل كيري على خفضه بين الجانبين الفلسطيني والمحتل الصهيوني، رفعه إلى مستوى عالٍ، فأصبح جميع الفلسطينيين ومن معهم من العرب ينظر إلى كيري على أنه مفاوض باسم الاحتلال وليس وسيطًا أو راعيًا للمفاوضات، وذلك لما يطرحه من آراء ومقترحات وخطط تعمل شكلًا ومضمونًا على تحقيق الأطماع الاحتلالية لكيان الاحتلال الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية. ولعل ما سمي بـ"اتفاق الإطار" الذي يحمله كيري في جولته الجديدة التي متوقع أن تنتهي اليوم السبت رأى فيه الفلسطينيون استلابًا لحريتهم وتقييدًا لسيادتهم ولا يحقق أدنى طموح، فالاتفاق ـ من وجهة النظر الفلسطينية ـ عبارة عن ورقة قديمة ولا قيمة لها نظرًا لما تحمله من مبادئ عامة، في حين أن "الخطوة التي يمكن أن تشكل تقدمًا فعليًّا في مسار المفاوضات الفلسطينية ـ "الإسرائيلية" هي رسم الحدود الكاملة بين الدولة الفلسطينية و"إسرائيل" على أساس حدود عام 1967 وبما يشمل القدس الشرقية، ووجود جدول زمني واضح للانسحاب من جميع أراضي الدولة الفلسطينية خلال فترة وجيزة والانسحاب من المعابر والحدود كلها مع الأردن".
إذن ووفقًا لذلك، يمكن القول إن جولة جون كيري الجديدة إلى المنطقة لا تحمل جديدًا؛ لأن كيري لا يريد أن يتخلص من أعباء العلاقة الاستراتيجية المتحكمة في الفكر والموقف الأميركييْنِ، ويتحرك في إطار النزاهة والشفافية باعتبارهما صفتين لازمتين واجبتين للوساطة الناجحة.