لا يحتاج المرء إلى كبير جهد ليعثر على إجابات شافية تجيب عن الدور الأميركي في تطوير وصناعة الإرهاب العالمي؛ هذا الإرهاب الذي تدَّعي أميركا أنها حاربته وتحاربه، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك تمامًا، بدليل أن إرهاب الدولة الإسرائيلي الذي ترعاه منذ أكثر من ستة عقود، وتدعمه بآخر وأطور ما أنتجته مصانع السلاح وتكنولوجياتها في الولايات المتحدة، واستخدمت "الفيتو" عشرات المرات لإحباط أي مشروع قرار يدين إرهاب الدولة هذا أو يمنعه عن الشعب الفلسطيني المظلوم والمغتصبة حقوقه، أو مشروع قرار لمجرد أن يسلط الضوء على المعاناة وحجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
وفي الوقت الذي تستشري فيه آلة الحرب الإسرائيلية ويتعاظم إرهاب الدولة الإسرائيلي بحق المواطنين المدنيين الفلسطينيين العزل، تواصل الولايات المتحدة الدفاع عن هذا الإرهاب، وتذهب بعيدًا في توجهاتها مُحاوِلةً أخذ العقل والمنطق إلى غياهب الظلم والنفاق، والجهل والتجهيل. فما صرح به جو بايدن نائب الرئيس الأميركي أثناء زيارته لفلسطين التاريخية ولقائه حلفاء بلاده، لا يخرج عن نطاق الالتزام الأميركي بحماية الإرهاب الإسرائيلي مهما علا وبلغ مبلغًا لا يمكن السكوت عنه، واعتباره "دفاعًا عن النفس"، حيث أكد بايدن لبنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال والقائدة لإرهاب الدولة أن الولايات المتحدة الأميركية تدين دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه ضد الإرهاب الإسرائيلي ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، منتقدًا ما أسماه "الفشل في إدانة" وسائل الدفاع عن النفس التي يستخدمها المواطنون الفلسطينيون، مطالبًا بتوقف الضحية الفلسطيني أمام جلاده الإرهابي الإسرائيلي.
لا ندري ما إذا كانت هذه الإدانة والمطالبة هي آخر خرطوشة في بندقية إدارة الرئيس باراك أوباما يطلقها نائبه جون بايدن باتجاه القضية الفلسطينية وملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أم أن بيت النار لبندقية إدارة أوباما لا تزال به أكثر من خرطوشة قبل أن ترحل عن المشهد السياسي، إيذانًا بمجيء إدارة جديدة قد تستلم البندقية ذاتها أو تستبدلها ببندقية أقوى وأخطر على الوضع الفلسطيني خاصة والعربي عامة.
لا أحد يجادل أن العنوان العريض لجميع الإدارات الأميركية هو الفشل في السياسات الخارجية وخاصة فيما يتعلق بملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وعلى الرغم من كل رهانات العرب على دور أميركي فاعل ونزيه في هذين الملفين، وإصرارهم على وضع كل بيضهم في سلة الولايات المتحدة حيال ذلك، إلا أن واشنطن مستمرة في الخلل التاريخي في جملة مواقفها من الملفين، وجعل العرب يحصدون الخيبة والحسرة، والمشكل أن العرب بمن فيهم الفلسطينيين ـ رغم ذلك ـ كلما جاءت إدارة أميركية وضعوا بيضهم كاملًا في سلتها وسلموها الخيط والمخيط، ولا يريدون الاستفادة من تجارب ما سبقها من إدارات ومواقف مخيبة للآمال.
والمشكل أيضًا أن العرب لا يريدون أن يستفيدوا مما يحصل من صراع ظاهري بين الحليفين الأميركي والإسرائيلي على خلفية إرادة الأول تحقيق رؤيته وخططه للحل ولكن وفق الرؤى والشروط للأخير، وعلى الرغم من مجرد هذا الخلاف الشكلي وليس في المضمون فإن التمادي الإسرائيلي مسنودًا باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وصل به تنمره وجرأته إلى حد تقديم الإهانات والصفعات لقادة الإدارة الأميركية الحالية الذين يجب أن يعني احترامهم حفاظًا على هيبة القوة العظمى. ومن يتابع تصريحات جو بايدن التي أدان فيها دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم الإرهاب الإسرائيلي وانتقد الفشل في إدانة دفاعهم رسميًّا فلسطينيًّا وعربيًّا، أنها جاءت بُعيد صفعة وجهها نتنياهو للإدارة الأميركية تتمثل في إعلان نيته عدم التوجه إلى واشنطن ورفضه عرضًا بلقاء الرئيس باراك أوباما. وكان البيت الأبيض أعلن الاثنين الماضي أن نتنياهو طلب موعدًا من الرئيس الأميركي. وعندما صدرت الموافقة عليه وتحدد موعد اللقاء كان الجواب الإسرائيلي بأن رئيس الوزراء ألغى الزيارة، في قرار "فاجأ" واشنطن.