لا شك أن القرآن الكريم منزل من عند الله سبحانه وتعالى وأنه كلامه جل جلاله بلفظه ومعناه لأن ذلك من المقتضيات كي يكون كلامه سبحانه, لم يدّع أحد أبداً بأنه خلق السموات والأرض أو خلق الكائنات الحية إلا الله سبحانه حتى فرعون والنمروذ لم يدعيا ذلك وأنما ادعيا الألوهية وهما لذلك ناكرون وادعيا بعض الأشياء التي هي من مقدورات البشر وقالا أنها من الربوبية كالقتل و الاعفاء فقد قال النمروذ أن القتل إماتة وأن الاعفاء منه إحياء, أمات فرعون فقد دفعه جبروته وبطشه الشديد على بني اسرائيل والسحرة إلى القول بربوبيته.
أخي القارئ: إذاً وكما تقدم لم يدع أحد الربوبية ولم يعتقد أحد بربوبية أحدٍ من المخلوقين فقد اجمع الناس مؤمنهم وكافرهم بنسبة الربوبية إلى الله لكن اختلفوا في تصور الله جل جلاله الذي هو خارج عن ادراك المخلوقين كلهم كما أنهم اختلفوا في كيفية عبادة الله فهؤلاء قالوا بالأصنام التي تقربهم زلفى إلى الله وآخرون قالوا بوجود إلهين اثنين واحد إله النور والخير وهو الله سبحانه والثاني إله الشر والظلام وهو الشيطان, بينما قد ألّه أهل الكتاب أنبياءهم فالنصارى زعموا أن عيسى ابن الله أو هو الله أو أن الله ثالث ثلاثة, بينما زعم اليهود بأن عزير ابن الله.
بينما آخرون يعبدون النجوم والكواكب أو بعض الاشجار أو يعبدون الانسان نفسه, تعالى الله عما يشركون.
والدليل البيّن كمال البيان على توحيد الناس بالربوبية لله سبحانه وتعالى هو كما ذكر الله سبحانه:(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (يونس ـ 22)، فإنهم أقروا بأن الله هو وحده القادر على انجائهم من الغرق وهذا من صفات الرب جل جلاله. والرب هو وحده المستحق للعبادة فالرب هو الله سبحانه وحده وهو الإله المعبود بحق لذلك قال الله سبحانه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة ـ 21).
نعود إلى ما بدأناه وهو أن الله تعالى هو الذي أنزل القرآن الكريم ولم يدع أحد بذلك سواه, فلو ادّعى أحد ذلك لقلناه أن القرآن محتمل أن ينزله هذا المدعي, لكن ذلك لم يحصل وكفى بذلك حجة بأن القرآم من عند الله سبحانه وحده, وإن زعم بعض المغرضين إنه من جاء نتيجة الكلام النفسي المتسامي لمحمد صلى الله عليه وسلم أوحى إليه به عقله الباطن, نجيبه أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو بشر من البشر باتفاق الجميع او ليس لو اجتمع جماعة من البشر على اختلاق مثل القرآن وهو كما ادعوا اختلقه واحد من البشر لقدروا عليه لأن عقل الجماعة يفوق عقل الواحد سواء في العقل الظاهر أو في العقل الباطن الذي يربط بين أشياء غير واقعية فكيف يأتي منه القرآن الذي هو الواقع الحق, من جهة ثانية نقول أن محمداً محدود الحواس فكيف يتأتى له الكلام عن أعماق البحار وعن حياة الجنين وعالمه وعن الهندسة والطب والجولوجيا والكيمياء والبيولوجيا والفيزياء والرياضيات بما فيها من الحديث عن النظرية النسبية وعن حقائق الغيب سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل أليس ذلك محيراً وهو الأمي الذي لم يعلمه أحد ولا يستطيع القراءة ولا الكتابة؟ لا شك أن القرآن تنزيل العزيز الرحيم.
أخي القارئ: لقد أثيرت شبهات كثيرة تهدف إلى تشكيك المسلمين في اعتقادهم أن القرآن الكريم هو من عند الله, وما تقدم هو كفاية في الرد عليها جميعها ونقول لهم أن تحدي الله بإتيان بمثل أقصر سورة من سوره مفتوح للجميع إلى يوم القيامة فإن استطعتم كما تدعون في بشريته فافعلوا, فهذا الفصل في المسألة ودعوا عنكم كثرة القيل والقال.
القرآن الكريم كتاب هداية لجميع البشر وما احتواه من أصول كل علوم مادية وغيبية إنما جاء للهداية قال الله سبحانه:(ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)(البقرة 1 ـ 2)، فهداية المتقين هي ارشاد وتوفيق إلى الخير, إما هداية الناس بما فيهم الكافرون فهي هداية بيان وإيضاح لطريق الخير وتمييزه عن طريق الشر فالخير جزاءه الجنة والشر جزاؤه النار, قال الله تعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة ـ 185), لقد جاء القرآن بمنهاج الحياة كاملاً صالحاً لكل زمان و مكان بما تمثل به من أحكان شرعية ثابتة وأحكام شرعية مرنة قابلة للأجتهاد بما يتواكب مع ظروف الناس وأحوالهم على مر الزمان وباختلاف المكان, فيه تبيان لكل شئ .. الآية.

علي بن سالم الرواحي