هل تعلم أن الجنة بناها الله تعالى وغرس فيها أشجارها وأنهارها ثم قال تكلمي قالت قد أفلح المؤمنون والجنة هي لأولياء الله الصادقين المخلصين الذين اتبعوا أمر ربهم وأمر رسله وابتعدوا عما نهى الله تعالى وعما نهى رسله ـ عليهم السلام ـ ورضوا بالله رباً ومحمد نبياً فمن آمن وصلح إيمانه أعد الله له تلك الجنان وهي مراتب ودرجات وفيها من النعيم ما لا يعد ولا يعصى.
وقد ذُكر في القرآن ما عليه أهل الجنة من اللباس والحلي والفواكه المتنوعة لا يعلم أحد عنها إلا اسمها فقط فأسماء الفواكه في الجنة هي نفس أسماء الفواكه في الدنيا مع اختلاف في اللون والطعم والرائحة فيها كل ما لذ وطاب، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، للمؤمنين في الجنة أنهار من ماء غير أسن ماء غير متغير الريح يقال منه قد أسن ماء هذه البئر إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت، فهو يأسن أسنا، وقيل أن الماء الذي غير آسن أنه لا تمسه يد، وأنه يجيء الماء هكذا حتى يدخل في فيه. ولهم فيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه. وأنهار من خمر لذة للشاربين يتلذذون بشربها لم تدسه المجوس، ولم ينفخ فيه الشيطان، ولم تؤذه شمس، ولكنها فوحاء، وأنهار من عسل مصفى قد صفي من القذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، إنما أعلمَ الله تعالى عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خُلق في الأنهار ابتداء سائلا جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك مصفى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية، لأنه كان في شمع فصفي منه. أنهار وأنهار قال تعالى في سورة محمد، الآية (15):(مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفّى).
وجاء في تفسير الطبري لقول الله تعالى:(إذ يغشى السدرة ما يغشى) (النجم ـ 16) أنه لما أسري بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ثم عُرج به انتهى إلى السدرة، فقيل له هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها تغطي الأمة كلها.
أما عن الغرف فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها) ـ مسند أحمد، وعن الأكل قال الله تعالى:(كلوا واشربوا) يقال لهؤلاء المتقين في الجنات كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم في الجنة واشربوا من شرابها هنيئا لا تخافون مما تأكلون وتشربون فليس فيها أذى، ولأهل الجنة بفواكه ولحوم من أنواع شتى، مما يستطاب ويشتهى، وقال تعالى في سورة الدخان (55):(يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) أي: مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر إليهم كلما أرادوا، وقال تعالى:(يتنازعون فيها كأساً) (الطور ـ 23)، أي: يتعاطون فيها كأسا أي: من الخمر لا يتكلمون عنها بكلام لاغ ولا هذيان ولا إثم ولا فحش، كما كان يحدث في الدنيا قاله الضحاك وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هذيانا وفحشا وأخبر بحسن منظرها وطيب طعمها ومخبرها.
ويوم القيامة يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وينادي مناد: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت، ولا نوم فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: سُئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أينام أهل الجنة؟ فقال:(النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون) ـ شعب الإيمان للبيهقي، وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(ينادي منادٍ إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً)، رواه مسلم، فذلك قوله عز وجل:(ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) (الأعراف ـ 43)
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

أنس فرج محمد فرج