الحمـد لله رب العـالمـين، والصـلاة والسلام عـلى سـيـد الخـلـق أجـمعـين، وعـلى آله وصحـبه ومـن تـبعـهـم بإحـسان إلى يـوم الـدين وبعــد:
فـلا زال الحـديث مـوصولا حـول درء المفـسـدة مـقـدم عـلى جـلب المصلحـة، قال تعالى:(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الملك ـ 22) نـعـم الهـداية كل الهـداية الـذي يمشي عـلى الصراط المستقـيم وهـذا التشـبيه العـجـيب الـذي شـبه الله كل فـريـق بما يـتـناسـب مـع وضـعـه قال تعالى:(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (هـود ـ 24).
إلى غـير ذلك مـن الآيات الـدالة عـلى أن الإيـمان هـو الحـياة، وغـير الإيـمان هـو المـوت الـذي صار إليه إذ أخـرجـهـم الـطاغـوت مـن النـور إلى الظـلمات فكانـوا فـيها أما المـؤمـنـون فـوليهـم الله ومـن كان ولـيه الله أخـرجـه مـن الظـلمات إلى النـور، وهـذا النـور العـظـيم الـذي يكـشف الحـقـائـق كشـفاً عـظـيـماً، كما قال تعـالى:(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ ..) (النـور ـ 35).
إن ذلك كله مـن هـدي القـرآن للتي هي أقـوم ، والعـمـل بالسـنة مـن هـدي القـرآن قال الله تبارك وتعـالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عـمـران ـ 31)، وقال:(وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ..) (الحـشـر ـ 7)، وقال الله تبارك وتعـالى:(نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البـقـرة ـ 223)، ومـن النقـاط العـظـيمة الـتي يشـملها قـوله تبارك وتعـالى:(إنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء ـ 9)، هـو مشـكلة النساء لأن النساء مـزارع وحـقـول، تـبـذر فـيها النطـف كـما يـبـذر الحـب في الأرض ولاشـك أن الطـريـق التي هي أقـوم: أن الـزارع لا يـرغـم عـلى أن يـزرع إلا في حـقـل يـرغـب الـزراعـة فـيه، وإلا أن يـكـون صالحا للـزراعـة، فـإذا رآه غــير صالح لـلـزرع ابـتـعـد وأخـتار الأرض التي تـنـبت الـزرع وتــدر الضـرع، وتحـافـظ عـلى الـزرع وتـتعـهـده بغـرس الأخـلاق والقـيـم، والمحـبة لله ولـرسـوله (صلى الله عـليه وسـلم)، وللوالـديـن والناس أجـمعــين، وبـذلك يطـمئـن الـرجـل عـلى بـيته وأهـله ومـاله وأولاده، والـدليـل الحسـي القاطـع عـلى ما جـاء به القـرآن الكـريـم، مـن أن الـرجـل هـو الـزارع وحـارث والمـرأة هـي المـزرعـة، فـتـلك هـي مهـمة الـرجـل، وتـلك هـي مهـمـة المـرأة، وكل مهـمته، ولا تعـارض بـين مهـمة الرجـل ومهـمة المـرأة فـكل ميـسر لما خـلـق له.
ومـن هـدي القـرآن للتي هـي أقـوم إباحـته تعـدد الـزوجـات إلى أربـع زوجـات، ولكـن إذا خـاف الـرجـل عـدم العــدل بيـن النساء، لـزمه الاقــتـصار عـلى واحـدة أو ما مـلكـت اليـمـين، قال الله تبارك وتعالى:(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ، آتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً) (النساء 3 ـ 4)، ولا شـك أن الطـريـق التي هي أقـوم وأعـدلها، هي إباحـة تعـدد الــزوجـات لأمـور كـثيرة ومحسـوسة.
منها أن المـرأة الـواحـدة قـد تحيض، أو تمـرض أو تنـفـس إلى غـير ذلك مـن العـوائـق، المناعـة مـن قـيامها بـواجـبها بأخـص لـوازم الـزوجـية، والـرجـل مسـتعـد للتسبـب في زيادة الأمـة، فـلـو حـبـس الرجـل عـليها في أحـوال أعـذارها لـتـعـطـلت مـنافـعـه.
ومنها أن الله أجـرى العـادة، بأن الـرجـال أقـل عـددا مـن النساء، في أقـطار الـدنـيـا، وأكـثر تعــرضـاً لأسـباب الـمـوت منهـن، في جـميع مـيادين الحـياة فـلـو قـصر الـرجـل عـلى امـرأة واحـدة، لـبـقي عـدد ضـخـم مـن النساء محـروما مـن الـزواج فـيـضطــررن إلى ركـوب الـفـاحـشـة، فالعــدل عـن هـدي القـرآن الكـريـم في هـذه المسألة مـن أعـظـم أسـباب ضـياع الأخـلاق، وانحـطاطهـا إلى درجـة البهائـم في عـدم الصـيانة والمحافـظة عـلى الشـرف والمـروءة والأخـلاق، فـسبحـان الحـكـيـم الخـبـير: انـزل الكـتاب الـذي أحـكمـت آياته ثـم فـصلت مـن لـدن حـكـيـم خـبـير.
ومنها أن الإنـاث كلهـن مســتـعـدات للـزواج، وكـثير مـن الـرجال لا قـدرة لهـم عـلى الـزواج والقـيام بلـوازم الـزواج لـفـقـرهـم، فالمستعـدون للـزواج مـن الـرجـال أقــل مـن المستعـدات مـن الـنساء للـزواج، لأن المـرأة لا عائـق لها، والـرجـل يـعـوقـه الفـقـر وعـدم القـدرة عـلى لـوازم النـكاح، ولـو قـصر الـواحـد عـلى الـواحـدة لـضاع كـثير مـن المستعـدات للـزواج.
وأيضـا لـعــدم وجـود أزواج يكـون ذلك سـببا لضـياع الفـضـيلة وتفـشي الـرذيلة والانحـطاط الخـلـقي، وضـياع القـيـم الإنسانية كـما هـو واضح، فإن خـاف الـرجـل ألا يـعـدل بيـن النساء وجـب عـليه الاقـتصار عـلى واحـدة أو مـلك يمـين، لأن الله يقـول:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحـل ـ 90)، والمـيـل بالتفـضـيـل في الحـقـوق الشـرعـية بينهـن لا يجـوز لقـوله تبارك وتعالى:(وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رحِيمًا) (النساء ـ 129).
أما المـيـل الطـبيعي بمحـبة بعـضهـن أكـثر مـن بعـض فهـو غــير مسـتطاع دفـعه للـبشر، لأنه انـفـعـال وتأثـر نفـساني لا فـعـل ، وهـو المـراد بقـوله تعالى:(وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ..) (النساء ـ 129).
وما يـزعـمه بعـض المـلاحـدة مـن أعـداء الإسـلام، مـن أن تعـدد الـزوجات يـلـزمه الخـصـام والـشغـب الـدائـم المفـضي إلى نكـد الحـياة، لأنه كـلما أرضى إحـدى الضـرتـين سـخـطـت الأخـرى، فهـو دائـما بـين مشـكلتـين، وأن هـذا لـيس مـن الحـكمة
فـإن هــذا كـلام سـاقـط يظهـر سـقـوطه لكـل عـاقـل، لأن الخـصام والمشاغـبة بـين أفـراد الأسـرة لا انـفـكاك عـنه البـتة، فـيقـع بيـن الـرجـل وأمه وبيـن الـرجـل وزوجـه وبـين الأب وأولاده إلى آخـره .. فهـو أمـر عـادي لـيـس له كـبـير شـان، وهـو في جـنب المصالح العـظـيمـة التي ذكـرنا في تعـدد الـزوجـات مـن صـيانة عـرض النساء وتيسـير الـتزويج لجـميعـهـن.
.. وللحديث بقية.

ناصر بن محمد الزيدي