ـ السائل يسأل عن قوله سبحانه وتعالى:(أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الشورى: من الآية (51) ما معناها؟ وما وجه البلاغة فيها؟‍‍‍‍‍‍!
أن يسمع الصوت من غيره ولا يعلم من أين أتاه، هذا معنى (أو من وراء حجابَ)، كما وقع ذلك لموسى ـ عليه السلام، أما وجه البلاغة فيها فهو عبارة شاملة دالة على أن هذا السامع سمع هذا الصوت من حيث أحس بأنه قصد به خطاباً ولكن ما علم كيف أتاه ، هذا من وراء حجاب .
سماحة الشيخ يقول السائل: أن الذرة لا تتجزأ واستبدلوا في وقتنا الحاضر بدلاً من الذرة الجزيء فقالوا: إنه أصغر جزء في المادة. فهل نستطيع القول بأن الجزء لا يتجزأ؟

ـ على أي حال أنا قبل كل شيء اعتذرت وقلت عن نفسي بأنني اقتحمت في لجة لست متعوداً على السباحة فيها، ولا أقدر على السباحة فيها، ولكني عندما أردت أن أتكلم فيما يتعلق بالقرآن الكريم، القرآن الكريم لم يتعرض للجزء ، بأنه يمكن أن ينقسم ولا أنه لا يمكن أن ينقسم، لا يمكن أن نتحدث عن هذه النقطة لأن هذا من اختصاص الآخرين، ورحم الله امرءاً عرف قدره ووقف عند حده، أما الذرة، دل القرآن الكريم على أن هناك أصغر من الذرة ، وبما أن القرآن دل على أن هناك ما هو أصغر من الذرة فعلينا أن نسلم بأن هذه الذرة يمكن أن تنقسم، أما الجزء فالقرآن الكريم ما تعرض له فنقف عند حدنا.

ـ السائل يقول: قال تعالى:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الانبياء ـ 22)، ما المقصود بفيهما وإن كان المعنى السماء والأرض ـ والله اعلم ـ فلماذا خص الله سبحانه وتعالى ذكرهما فقط مع أنه يوجد في هذا العالم الفسيح الكثير من الكواكب؟

أنا أسأل عن هذه الكواكب هل هي خارجة من السماء، وما المقصود بمدلول السماء ، هل المقصود بمدلول السماء كوكب معين من هذه الكواكب، فيقال بأن الكواكب الأخرى غير داخلة في مدلول السماء أو مدلول السماء لغة كل ما علاك فهو سماء، فالله سبحانه وتعالى يقول: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(ابراهيم ـ 24) أين فرعها؟ هل هو في كوكب من هذه الكواكب كوكب معين أصلها ثابت وفرعها في السماء، ويقول الله سبحانه وتعالــى:(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)(الرعد ـ 17) فهل هذا الماء ينزل من الكواكب أو من كوكب من هذه الكواكب أو أنه ينزل من الجهة العلوية، فإذا كانت كلمة السماء تدل على كل ما كان أعلانا فإذا كل ما كان أعلاه فهو سماء إلى ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى عندما امتنَّ على عباده بخلق السماوات ما امتن بخلق عدد صغير من الأجرام الفلكية وسكت عن غير هذا العدد، المفسرون في القديم والحديث اختلفوا في هذه السماوات السبع المقصودة وضيقوا مدلول السماوات، كثير منهم ضيقوا مدلول السماوات، منهم أي المتقدمين ـ كالفخر الرازي ـ عندما لم يكتشفوا في ذلك الوقت، نبتن وبلوتو، عندما كانوا ما اكتشفوا هذه النجوم قال الفخر الرازي مثلاً بأن المقصود المجموعة الشمسية المكتشفة في ذلك الوقت وذكر من نفس هذه المجموعة الشمس نفسها وذكر منها أيضاً القمر لا توجد دلالة بأن القمر هو السماء أو الشمس هي السماء ، أو أن القمر هو إحدى السماوات أو أن الشمس إحدى السماوات، لا توجد دلالة على ذلك أبداً.
جاء بعض المفسرين بعد هذا الاكتشاف الآخر فذكــروا أن المقصــود بالمجموعة الشمسية بكاملها ، وقالوا عن الشمس لا تعد منها والقمر ـ طبعاً ـ هو تابع صغير للأرض فلا يعد منها، والأرض لا تحسب لأن الأرض منها بالنظر إلى هذه الأجرام ، فقالوا هي سبع سماوات، هذه السماوات السبع؟! كلمة السماوات السبع مدلولها أوسع من ذلك بكثير الله سبحانه وتعالى يقول:(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)(البقرة ـ 22) ما معنى هذا البناء؟ نفس هذا الرباط رباط الجاذبية التي يربط ما بين هذه الأجرام الواسعة، هذا هو البناء، فهذه الأجرام الواسعة في كل الفضاء الهائل السحيق، هذه الأجرام الواسعة هي سماء لأنها مربوط بعضها ببعض هي بمثابة اللبنات في البناء الواحد، لأنها مربوط بعضها ببعض بسنة الجاذبية، فإذن هذه كلها تعد سماء، قد تكون فيها درجات – طبقات – نفس هذه الأجرام، وقد تكون ما فيها طبقات وإنما بقية السماوات فوق ذلك، أنا في نفسي لا أستطيع أن أجزم بهذا وإنما أكل العلم إلى الله، ولكن أقول: هناك احتمال كبير بأن يكون كل ما اكتشف من هذه الأجرام الهائلة والمجرات الواسعة غير خارج عن السماء الدنيا ، لا يبعد ذلك بدليل قول الله سبحانه وتعالى:(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)(الصافات ـ 6)، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ )(الملك ـ 5) فالله سبحانه وتعالى أخبر بأنه زين السماء الدنيا فلعل هناك بعد هذه الأجرام الفلكية، سماوات أخرى سبع أوسع مما يمكن أن يتصور البشر، وما ندري طبيعة هذه السماوات – والله أعلم.

السائل يقول : قال تعالى:(يكور الليل على النهار) ، وقال أيضاً:(يغشى الليل النهار) فما وجه تقديم الليل على النهار في الايات القرآنية، وهل معنى ذلك أن الليل خلقه قبل النهار؟

الليل هو الأصل لأن الظلمة هي الأصل، الضوء يأتي ليغشى هذه الظلمة ليمزق هذه الظلمة ليسرى في هذه الظلمة ويبددها ، فإذاً الضوء يأتي بعد الظلمة، ولما كان الضوء يأتي بعد الظلمة فإذاً الليل سابق على النهار فلذلك ذكره الله سبحانه وتعالى قبل النهار ، وضرب الله تعالى مثلاً لسريان الضوء في الفضاء وطيه لهذه الظلمة، بآية لها جلد ويسلخ منها هذا الجلد (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) فكأنما النهار هو الجلد يحيط بهذا الليل ثم يسلخ منه النهار يسلخ منه هذا الجلد فإذا بالفضاء يبدو على طبيعته، وهو مظلم.