[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
استنكر الكثير من المراقبين المهتمين بمبدأ حرية الإعلام، مداهمة القوات الإسرائيلية مساء الخميس الماضي لمكتب - فضائية فلسطين اليوم - في مدينة رام الله بالضفة الغربية، باعتباره عملا اقل ما يوصف به بأنه نوع من سياسة تكميم الأفواه المرفوضة تجاه الإعلام، خصوصا الإعلام الفلسطيني، الذي يعتبر متنفسا للشعب الفلسطيني المقهور.
إن تكميم الأفواه، مصطلح تكرر استخدامه في الكثير من حالات الصراع بين الأنظمة غير الرشيدة ووسائل الإعلام المسموعة والمقرؤة والمرئية، خصوصا في الدول التي ترى أنظمتها في الإعلام بأنه عدوها الأول، وليس كـ"سلطة رابعة" ومعول مساعد في البناء وأداة رقابية يمكنها المساهمة في تصحيح مسارات العمل السياسي والاقتصادي وغيره.
ولكن ان تتم ممارسة سياسة تكميم الأفواه في نظام يفترض انه من الأنظمة الديمقراطية مثل إسرائيل، فهذا سلوك يعتبره المراقبون وصمة عار في وجه الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة، وذلك في وقت ينبغي ان يضمن فيه النظام الديمقراطي ممارسة الإعلام لدوره في المجتمع المدني الديمقراطي، وهو الدور المتمثل في التواصل مع الجمهور كرقيب ناقد للقوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالقدر الذي يضمن استمرار مسيرة البناء الديمقراطي.
وطالما أن إسرائيل تزعم أنها دولة ديمقراطية، فكان ينبغي ان تحترم خيارها، وعليه يكون من البديهي ان تنصاع إلى القانون الدولي الضامن لحرية التعبير عن الرأي، خصوصا المادة التاسعة عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي اكدت على هذا الجانب. فضلا عن ان ارتداء الرداء الديمقراطي يفرض على إسرائيل ان تؤمن بثقافة الديمقراطية والتي يستحيل تطورها بدون وسائل الإعلام.
إن خروج إسرائيل عن مسيرة الديمقراطية التي تدعيها لم يعبرعنه فقط اغلاق مكتب قناة تلفزيونية او صحيفة او غيرها، بل هذا السلوك اللاديمقراطي واللاحضاري يأتي ضمن سلسلة من عمليات تكميم الأفواه التي مارستها وتمارسها إسرائيل ضد وسائل الإعلام الفلسطينية، حيث اكد نادي الأسير الفلسطيني ان هناك ستة عشر صحفيا فلسطينيا معتقلين لدى إسرائيل، وان تسعة منهم صدرت بحقهم أحكام بالسجن حتى الآن.
كما سبق ان أشار نادي الأسير الفلسطيني ايضا بأن ممارسات إسرائيل التي تعريها من ثوبها الديمقراطي وصلت بعدد الأسرى الفلسطينين بدون محاكمات إلى سبعة آلاف أسير حتى نهاية عام 2015. كل ذلك علاوة على استمرار الانتهاكات ضد الصحفيين والتي وصل عددها وفق تقرير لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الفلسطينة الى اثنين وثلاثين انتهاكا في فبراير الماضي.
فكيف تكون إسرائيل منسجمة مع الأخلاق الديمقراطية، وهي تمارس القسوة ضد الشعب الفلسطيني الذي يفترض انها تحكمه ومسؤولة عنه بحكم القانون الدولي (كدولة احتلال)، فضلا عن ان مرتكز تسخير الحكم لصالح الشعب هو احد اهم المرتكزات الثلاثة لأسس النظام الديمقراطي.. غير ان الواقع الإسرائيلي يؤكد بأن ديمقراطيتها موجهة ضد الشعب الفلسطيني، وليس لصالحه، خصوصا وانها تغض النظر عن ممارسات المستوطنين واليهود المتطرفين الذين يسعون الى نقل سكان ثمانية وعشرين قرية حول القدس المحتلة إلى خارج بلدية القدس.
فكيف تكون الممارسة الديمقراطية صحيحة وحقيقية وإسرائيل الديمقراطية تحتل أرضا وتفرض حصار الكلمة وحصار الحرية وحصار التنقل من مكان إلى مكان على أبناء هذه الأرض، بل تمنع فئات الشباب منه من الصلاة في المسجد الأقصى، وتواصل الحصار ضد قطاع غزة الذي يكتظ بأعداد كبيرة من الفلسطينين يعانون الفقر والبطالة ومحدودية الحركة.
وعليه يرى المراقبون بأن سياسة تكميم الأفواه بقدر ما انها متناقضة مع سيناريو تمثيلية الديمقراطية التي تمارسها إسرائيل وتتفاخر بها بين الدول الاوروبية، فهي ايضا نهج خاطئ قد يحرجها حتى في الوسط الإعلامي الإسرائيلي كجبهة داخلية تعتبر الدفاع عن السياسة الإسرائيلية من أولوياتها.