[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” مع ادراكي التام بأن الأخطاء الطبية تحدث في كل مكان والأمثلة عديدة, وهذه الحقيقة من جانب آخر لا تتقاطع أبدا مع تطلعاتنا ومطالباتنا كمواطنين بمواصلة التطور في القطاع الصحي ومعالجة الاشكالات وتصحيح بعض الأخطاء التي تعاني منها مؤسساتنا الصحية وإن كانت متواضعة ومنها التأخير في المواعيد الخاصة بالأشعة والفحوصات التخصصية والعيادات المتخصصة وأهمية توخي الدقة في التشخيص.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة التاسع عشر من شهر فبراير ارتفع ربان طائرة الطيران العماني تدريجيا مودعا سماء عمان الحبيبة متجها إلى بانكوك عاصمة تايلند مقصد السياح من كل مكان. كان الهدف من زيارتي مرافقة والدي ووالدتي وزوجتي والاطمئنان على صحتهم العامة وعلى نتائج الفحوصات الشاملة ومراجعة بعض العيادات التخصصية, مع أنني من الممتنين للخدمات الصحية المجانية في عمان والمؤمنين بالجهود الكبيرة التي تبذل من قبل الطاقم الطبي ومساعديهم في مؤسساتنا الصحية والرعاية الطيبة التي تقدم للمرضى والمراجعين, ولكن مراجعة المستشفى في تايلند هو فقط من باب مقارنة نتائج التشخيص والفحوصات والعلاجات وتعزيز الشعور بالطمأنينة واختصار الوقت والجهد في عملية الفحوصات والمواعيد ومقابلة الأطباء, مع ادراكي التام بأن الأخطاء الطبية تحدث في كل مكان والأمثلة عديدة, وهذه الحقيقة من جانب آخر لا تتقاطع أبدا مع تطلعاتنا ومطالباتنا كمواطنين بمواصلة التطور في القطاع الصحي ومعالجة الاشكالات وتصحيح بعض الأخطاء التي تعاني منها مؤسساتنا الصحية وإن كانت متواضعة ومنها التأخير في المواعيد الخاصة بالأشعة والفحوصات التخصصية والعيادات المتخصصة وأهمية توخي الدقة في التشخيص. كان تأخره ما يقارب نصف الساعة عن موعد الإقلاع المحدد هو المأخذ الوحيد على الرحلة المتجهة إلى بانكوك أما ما عدا ذلك فإن الطيران العماني أبان عن جودة الخدمات التي يقدمها لمسافريه في مختلف المجالات, رحابة المقاعد – نوعية الوجبات الغذائية – الرقي في التعامل مع المسافرين – القائمة الترفيهية الواسعة والمتنوعة التي تقدمها شاشة المقعد من أفلام عربية وأجنبية بمختلف اللغات والثقافات وألبومات غنائية ومسرحيات تعيد للمسافر العربي عصر المرحلة الذهبية للمسرح العربي, لم أشعر بمضي الساعات الست التي قضيناها معلقين بين السماء والأرض عبر تحليقها المتواصل عابرة فيه الطائرة سماء دول وبحار ومحيطات, فقد أمضيت نصفها مستمتعا بمتابعة المسرحية الشهيرة (شاهد ما شافش حاجة) رغم أن مشاهدتي لها تكررت من قبل، لكن روح عادل إمام الفكاهية وفنه الرفيع وابداعه في التمثيل وقدرته على بث الرسائل السياسية بحرفية واتقان إلى جمهوره ومتابعيه جعلت منه نجما لا يضاهى في الكوميديا وأعماله لا تمل وإن تكررت المتابعة وتعاقبت على أعماله الأعوام, فيما أمضيت الجزء الآخر من الوقت في قراءة رواية (ألف شمس ساطعة) للكاتب الأفغاني القدير خالد حسيني الذي استطاع عبر هذه الرواية ورواية (عداء الطائرة الورقية) أن يصل بأعماله إلى العالمية وأن يتلقى عشرات الشهادات من كتاب كبار ومؤسسات إعلامية شهيرة وأن يقدم بلده وشعبه على مدى (أربعة عقود من الاضطراب والتفكك في افغانستان في قالب متقن وأخاذ ومؤثر). هبطنا أخيرا في مطار بانكوك الفسيح في الساعة السابعة مساء, وبمجرد ما أنهينا اجراءاتنا أخذنا باص الفندق مباشرة إلى شارع (نانا) أو شارع العرب القريب من مستشفى ( بومرنجراد).
هنا في تايلند ومع كل زيارة أو سياحة إليها أزداد إعجابا بهذه الثقافة المجتمعية الراقية في التعامل مع السائح وفي توفير كل سبل الراحة والخدمات والامتيازات التي يريدها ويبحث عنها بمجرد ما أن تطأ قدماه مطارها إلى أن يغادرها مصحوبا بمستوى عال من الاعجاب والراحة والسعادة البالغة, يستقبله سائق الفندق من داخل المطار رافعا لافتة تحمل اسمه, يستلم منه حقائبه وأمتعته فلا يشتغل بها ولا يراها إلا في غرفة نومه في الفندق, يستقبله بضعة أفراد من موظفي الفندق من عند باب السيارة بابتسامات واسعة غير متكلفة وانحناءات خاصة تميز بها الشعب التايلندي تعبر عن الترحاب والاحتفاء والود والبساطة وتحية رقيقة وعصائر متنوعة ومناديل مرطبة للوجه, الفندق فسيح ومريح وسعره في متناول اليد يحتوي على وسائل الراحة والاستجمام, حافلة المستشفى تأتي لأخذه من باب الفندق, قسم الترجمة الملحق بالمستشفى يقدم له خدمات الترجمة طوال اليوم, الفحوصات الشاملة ونتائجها واللقاء بالطبيب المختص تنجز في ذات اليوم, لا أحد يرهقه بمطالبات ورشاوى ولا أحد يستجديه ليدفع له خارج إطار القانون والنظام والسعر الرسمي والمتفق عليه... وهي ذاتها المعاملة لكل غرض وشكل من أشكال السياحة مهيأة ومرتبة ومخطط له وتبتغي رضا السائح, وإن تكررت الزيارات إلى تايلند كثيرا إلا أن الجديد في عالم السياحة والإثارة دائما ما يكون حاضرا ولا يعدم السائح أن يكتشف عالما لم يره ولم يطلع عليه من قبل, السياحة النهرية والجولة بالنقل المائي في الجداول المحيطة بأحياء ومناطق بانكوك وحقولها الزراعية تعد واحدة من الخيارات الجميلة والممتعة التي يكتشف فيها السائح عالما من المتعة والتنوع تضيف خبرات ودروس عن الحياة وفلسفتها وثقافة الشعب التايلندي وأسلوب حياته وطريقته في التأقلم مع الظروف وتوظيفها بما يخدم مصلحته وييسر سبل معيشته. (حديقة النباتات الاستوائية)و(فلوتنج ماركت) في باتايا و(آسيا تيك) في بانكوك وغيرها الكثير تظهر مهارة الشعوب في جذب السائح وتقديم ثقافاتها وتاريخها وتوظيف المقومات والمواقع السياحية في خدمة هذا القطاع الواعد, وفن التسوق الراقي والمتنوع وهو ما جعل من هذا البلد الشرق آسيوي أن يستقبل 30 مليون سائح خلال العام 2015م، تشكل عائداتها 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي... التعليم في تايلند قدم للسوق المحلي كل الاحتياجات من الكفاءات والأيدي العاملة الوطنية وفي مختلف التخصصات وفي جميع المجالات
والقطاعات والحقول والمهن والحرف التي يشغلها كلها تايلنديون. تخطيط ناجح ومشاريع عملاقة رائدة ورؤية مستقبلية ناجحة وسياسة اقتصادية تستحق الاحترام والدراسة للاستفادة منها, تنوع في مصادر الدخل يحقق لتايلند نموا اقتصاديا متصاعدا.