**
الأطفال هم أثر ومقصد من مقاصد الحق السابق الذي تحدثنا عنه والمتضمن الحق في تكوين الأسرة والرعاية لحقوقها المتفرعة عنها والذي منها حق الطفولة أو الأطفال أو حق الطفل. وقد دلّت النصوص الشرعية بعمومها وخصوصها على هذا الحق. يقول الله تعالى:(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)"الكهف/46"، ويقول:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً)"الإسراء/31". كما جاءت السنة النبوية مبينة حق الأولاد من حيث التربية والرعاية من الجانبين الجسدي والروحي، وذلك ما دلّ عليه حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، أنه: سمع رسول الله -- يقول:(كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته..). فتربية الولد منذ نعومة أظفاره مهمة أوكلت للآباء وأولياء الأمور، وهي من حقوق أبنائهم عليهم حال صغرهم، وهي من الأهمية القصوى، والعناية العظمى، التي أولتها الشريعة جانبا كبيرا؛ لأنه بحسن التربية والمحافظة على النفس تبقى وتستمد باقي الحقوق قوامها، وبالمقابل بضياع أنفس الأولاد والأنسال تضيع وتهمل الحقوق كلها. وبالنظر في نصوص التشريع القانوني العماني من حيث موافقتها واهتمامها بحق الطفل منذ الصغر، نجد أن القانون رعى هذا الحق من جانبين اثنين؛ الأول: رعايته من جانب الاهتمام في بقائه والاهتمام بتطويره. والثاني: رعايته من حيث وضعه العقوبات المناسبة في حال التقصير والإهمال في مراعاة الأطفال والاهتمام بشأنهم. ففي ما يتعلق بجانب بقاء الإنسان نجد اهتمام القانون العماني بالأطفال وحقوقهم من خلال ما قامت وتقوم به الحكومة العمانية من دور فعال وبارز على المستوى العالمي وعلى المستوى الإقليمي المحلي؛ ففي مجال المستوى العالمي فإن السلطنة سعت ورعت جانب الطفولة منذ باكورة النهضة المباركة ويتمثل ذلك في انضمامها للعديد من الاتفاقيات والمعاهدات والالتزامات الدولية العالمية المتصلة بشأن الحفاظ على حق الأطفال كاتفاقية حقوق الطفل في عام 1996م، وصادقت السلطنة - كذلك - عام 2004م على البروتوكولين الملحقين بالاتفاقية السابقة، وهما: إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبيع الأطفال في البغاء والمواد الإباحية، وانضمت إلى اتفاقية العمل الدولية رقم (182)، وإلى التوصية رقم (190) بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، وكانت السلطنة سباقة إلى المبادرة بشأن مشروع العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف لأطفال العالم (2001 - 2010). كما تعد سلطنة عمان تقاريرها للأمم المتحدة حول التزامها باتفاقية حقوق الطفل، ومن ذلك تقريرها الأول حول التدابير التي اتخذتها لتنفيذ أحكام البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية. أما من حيث اهتمام السلطنة بحقوق الأطفال على صعيد المستوى الوطني والمحلي فيتمثل في سنّ التشريعات العمانية الراعية لهذا الحق، وبيان حقوق الطفل المختلفة منذ كينونته في عالم الغيب بأحشاء أمه حيث هو جنين. ومن أهم تلك القوانين المتصلة بحقوق الأطفال إصدار قانون الطفل بموجب المرسوم السلطاني رقم (22/2014)، وقد تطرّق بالتفصيل إلى إعطاء تعريف للمصطلحات المتعلقة بحقوق الأطفال وبيان المستهدفين بهذه الحقوق، ومما جاء من ذكره في شأن ذلك تطرقه لذكر تعريف الطفل، وأهم الإساءات التي قد يتعرض لها بانتهاك حقوقه، وأهم تلك الحقوق التي يحظى بها، وذلك من خلال ما تضمنته بنود المادة (1) و المادة (2) منه حيث إنها تعبّر عن مدى الاهتمام الشامل والكامل من السلطنة لضمان بقاء الطفل على قدر كريم من الحياة المحفوفة بالكرامة الإنسانية. وبتتبع بعض الحقوق المذكورة نجد أن القوانين العمانية ذكرتها واعتمدتها في التطبيق، ويتضح بيان ذلك من خلال ما أشار إليه قانون الأحوال الشخصية العماني في أكثر من موضع ومن ضمن تلك الحقوق: (1) الحق في الحياة والسلامة والتنشئة والنمو للأطفال: وذلك في المواد (36) و (38) و (125 - 136). (2) والحق في النفقة: ويتضح ذلك من بنود المادة (60). بل إن اهتمام التشريع العماني شمل الطفل اللقيط حيث حدد الجهة المسؤولة عن النفقة عليه، وذلك في المادة (69). (3) وحق الإرث وتضمينه للجنين. إن من أعظم الاهتمامات المالية المهمة للإنسان بأن تكون رعايته وهو جنين في بطن أمه، وهذا لا يوجد إلا في الشريعة الربانية، وأُيدّ ببعض التشريعات القانونية الدولية والإقليمية ومنها التشريعات العمانية، حيث بيانها لاستحقاق الإرث للجنين وكذا تقديم الأبناء على غيرهم في الميراث من عصبات النفس. تطرقت إلى ذلك المادة (251) أحوال شخصية. وفيما ضمنه القانون للطفل - أيضا وهو جنين - استحقاقه للإرث، ذكرت ذلك المادتان (274 - 275) أحوال شخصية. بل إن الوصية تصح للجنين والصغير والقاصر، فالمادة (209) أحوال شخصية أشارت إلى ذلك من حيث القبول والرد لها. (4) حقوق الطفل الفضلى: وذلك كحق ولاية الأب على ابنه القاصر وأبنائه الآخرين، حيث جاء تشريع ذلك في المواد (164 - 169) من القانون السابق. كما إن القانون أباح للأب أن يعيّن وصيا على ابنه القاصر وكذا أولاده، وقد حددت المواد (170 - 189) أحكام الوصي ومشروعية تعيينه. كما أشارت المادة (234) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني إلى ما يتصل بحقوق الطفل، من حيث رفع الدعوى القضائية عنه أمام المحكمة المختصة بنظر دعاوى الصغير والقاصر فيما يتصل بأحوالهم الشخصية من حضانة وغيرها، وبينت المادة المذكورة ما يجوز للمحكمة أن تصدره من أحكام مستعجلة تضمن حق الصغير، من حيث تمكينه من حنان أبويه برؤيته والقيام بشؤونه. (5) الحق في الجنسية وحمل الاسم: حيث حددت المادة (٤) ضوابط قيد الاسم للطفل المولود والأسس التي يقوم عليها ذلك القيد، كما حدد القانون الجهة المختصة في السلطنة بالإشراف على شأن الجنسية وحمل الاسم، وذلك في المادة (٢) من القانون السابق ذاته. كذلك اهتمام الدولة بالطفل ولو كان مجهول الأبوين تبلور في الاهتمام البدني والصحي له منذ ولادته حيث تطرقت إلى ذلك المادة (19) من القانون السابق أيضا. (5) حق رضاعة الطفل: حيث إنه حق أصيل في الشريعة الإسلامية بدليل قوله تعالى:(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)"البقرة/223". وتقرر ذلك أيضا في التشريعات العمانية، حيث إن المادة (38) أحوال شخصية أشارت إلى ذلك في بندها الثالث. وهناك الكثير من الحقوق المتصلة بالطفل تطرّق إلى ذكرها بعض الباحثين والمؤسسات المعنية بهذا الشأن، كالحق في الهوية، والحق في التعبير عن الرأي والوجدان والفكر، والحق في حماية الطفل من التعرض التعسفي أو حياته الخاصة، والحق في المساواة وعدم التمييز، والحق في التعليم، والحق في اللعب، والحق في التنقل، والحق في الرعاية الصحية وغيرها. هذه الحقوق جميعها تمثّل الحقوق المتعلقة بتكوين الإنسان بدنيا وعقليا وفكريا. أما الجانب الثاني: فيما يتضمن برعاية القانون العماني لحقوق الطفل من حيث الإجراءات العقابية التي وضعها عند التعرّض له بالضياع من قبل البعض، فقد وضع القانون عقوبة إهمال الولد في حال احتياجه لأبويه ووليه، من حيث الرعاية المعيشية أو الرعاية السلوكية، حيث جاء في قانون الجزاء العماني ذاكرا ذلك في المادة (212) وما بعدها بالقول: "يعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر وبغرامة لا تتجاوز عشرة ريالات الأب أو الأم إذا تركا في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو ولد تبنياه، سواء رفضا إعالته أو أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من رعايته". كما تظافرت جهود المجتمع الدولي في الاهتمام بحقوق الطفل ورعايته وضمان كل ما يحتاجه من الأمور المشروعة حال طفولته. ومن الجهود التي أقرت في هذا الجانب إعلان حقوق الطفل الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة 1386 (د-14) المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959م. ودخلت الاتفاقية التي تعد أول اتفاقية دولية ملزمة قانونا تؤكد على ضرورة تمتع الأطفال بجميع حقوق الانسان حيز التنفيذ في سبتمبر 1990م. وهناك أيضا اتفاقية حقوق الطفل والتي اعتمدتها الجمعية العامة بقرارها 44/25 المؤرخ في20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، وبدء النفاذ في 2 أيلول/سبتمبر 1990 بموجب المادة 49. وهناك البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل السابقة بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 263 / الدورة الرابعة والخمسون المؤرخ في 25 أيار/مايو 2000م، ودخل حيز النفاذ في 23 فبراير 2002م. ويقابله البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الاباحية، الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 263 / الدورة الرابعة والخمسون المؤرخ في 25 أيار/مايو 2000، ودخل حيز النفاذ في 18 يناير 2002م. وهناك بروتوكول اختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إجراء تقديم البلاغات. وهناك أيضا عهد حقوق الطفل في الإسلام، الذي اعتمد وفتح باب التوقيع والانضمام والتصديق عليه من قبل المؤتمر الإسلامي الثاني والثلاثون لوزراء الخارجية المنعقد في صنعاء - اليمن، خلال الفترة من 28 إلى 30 حزيران/يونيه 2005 الموافق 21 إلى 23 جمادي الأول 1426هـ. إن الاتفاقيات والقوانين الدولية لم تألوُ جهدا في سبيل بيان بعض الحقوق التي يتمتع بها الطفل، فقد ذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يوجب على الدول حماية تلك الحقوق وذلك في الفقرة الثانية من المادة (25) حيث قالت: "للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية". كما أشارت المادة (24) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق التمتع بالجنسية وحمل الاسم. وتضمنت اتفاقية حقوق الطفل العديد من البنود التي بيت ما يتمتع به الطفل من حقوق ومقومات يجب أن تكون مأخوذة على قدم من المساواة بين جميع الأطفال حيث تأكد هذا المبدأ من خلال ما نصت عليه المادة (1) من الجزء الأول من الاتفاقية في بعض بنودها. وإلى لقاء آخر يجمعنا - بمشيئته تعالى - أستودعكم الله في الحل والترحال...

محمد بن سيف بن دويّم الشعيلي - المحكمة العليا.
[email protected]