في عهد هتلر، سرق الألمان حوالى خمسة ملايين عمل فني من أنحاء أوروبا، وتعد هذه هي السرقة الكبري تاريخيا ومعترف بها.و بعد إقرار الهدنة، ركز رجال الآثار على تحديد مواقع تلك الأعمال وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين. أدى عناصر الوحدة الخاصة التي كانت قد تطورت آنذاك وباتت تشمل 350 رجلاً، دور صائدي الكنوز ففتشوا الأرشيف ومنازل المسؤولين النازيين وأجروا مقابلات مع مديري المتاحف وشهود العيان.
وبالطبع لم تغفل مدينة صناعة السينما الأميركية "هوليوود" عن تلك الجرائم التي ارتكبت اثناء الحرب العالمية الثانية، خلال فيلم (The Monuments Men) والذي بدوره سيسهم في نشر الوعي العالمي بشأن التجارة غير المشروعة في التحف المسروقة في اثناء الصراعات الحديثة، مثلما هو الحال على ارض الواقع في سوريا ومصر.
رجال الآثار (The Monuments Men): هو فيلم دراما و اكشن اميركي- ألماني من إنتاج جورج كلوني بمساهمة من شركة الإنتاج الاميركي "Columbia Pictures"، مقتبس من قصة حقيقية نشرها الكاتب روبرت م. ادسل عام 2009 في كتاب حمل العنوان نفسه، من تأليف وكتابة الممثل والمخرج المبدع جورج كلوني بالمشاركة مع جرانت هسلوف، ومن اخراج كلوني ايضا، الذي وصف العمل بالمهمة الصعبة كونها تحمل تحدٍ كبير، إذ إنه يقع على عاتقه مهام كبيرة تتعلق بدوره كمخرج ومؤلف وبطل للفيلم، ويعد كلوني مخرج ومنتج وممثل ناجح جدا، فتحوي مكتبته على العديد من الأعمال القديرة التي تنوعت مابين الاكشن والدراما والكوميديا ومنها من قام بأخراجه كـ (Confessions of a Dangerous Mind)، (the ides of march) الذي انتزع عنه اوسكار افضل مخرج.
وبرغم من ان كثير من المؤرخين يشكك في تلك الرواية الخاصة بسرقة النازيين للأعمال الفنية مشيرين الى ان هتلر امر بانسحاب قواته تماما من روما امام الحلفاء وتركها مدينة مفتوحة امامهم دون اي مقاومة وذلك حفاظا على المدينة وكنوزها الفنية من الدمار، إلا ان الفيلم تلقى اشادات كثيرة، ويكفي ان "اليونسكو" شكر هذا العمل لما يقدمه من رسالة مهمة تتلخص في حماية التراث من السرقة والنهب والهجمات الإرهابية في الوقت الحالى ببعض من البلدان العربية منذ اندلاع ما يسمى ثورات الربيع العربي. يذكر ان الاتحاد الأوروبي اعطى اليونسكو قبل اسبوعين 3،4 مليون دولار لتشكيل فريق في بيروت لجمع المزيد من المعلومات عن الوضع في سوريا لمكافحة تهريب التحف والآثار ونشر الوعي دوليا ومحليا.
يجمع (جورج كلوني) او المؤرخ الفني "فرانك ستوكس" في رحلته للبحث عن الآثار المفقودة فرقته الخاصة المكونة من الفنان المتألق (مات ديمون) ويقوم بدور منظم المعارض "جيمس جرانجر"، الفنان (بيل موراي) في دور المهندس المعماري "ريتشارد كامبل"، (هيو بونفيل) بدور الخبير الفني "دونالد جيفريز"، ويقوم بدور النحات "والتر جارفيلد" الممثل (جون جودمان)، تشاركهم البطولة الجميلة صاحبة اوسكار افضل ممثلة لهذا العام (كيت بلانشيت) وتقوم بدور الموظفة الفرنسية في احد متاحف باريس "كلير سيمون".
وبرغم من تلك الاسماء والنجوم الكبيرة في عالم هوليود، إلا ان الفيلم يفتقر للحبكة المثيرة التي تجذبك نحوها، بحيث اننا لا نشهد تطورا درامي يشدك الى متابعة أحداثه وان الفكرة معروفة مسبقا. صحيح أن الموضوع مبتكر وجديد نوعاً ما في السينما، لكنه مقدم بطريقة كلاسيكية ويخلو من الابتكار والايقاع والروح والحيوية، مع العلم ان جورج كلوني سبق واثبت كفاءته كمخرج من قبل، ولكنه كثف تركيزه فقط على اهمية الفن فسار بمنحى يشبه التحقيق البوليسي.
يذكر ان ايراداته بلغت 104،533،171 دولار، بميزانية بلغت نحو 70 مليون دولار اميركي.

قصة الفيلم وأحداثه
تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من خبراء الفنون، الذين كلفتهم الحكومة الأميركية، باسترداد القطع الفنية المسروقة من قِبل النازيين. في عام 1944، وعلى مشارف انتهاء الحرب العالمية الثانية، يوافق الرئيس الاميركي دوايت أيزنهاور على اقتراح البروفيسور والمؤرخ الفني فرانك ستوكس بتشكيل فريقه الخاص والمكلف بحماية الآثار والتحف الفنية المتبقية والبحث عن المفقود منها الذي تم تهريبه الى ألمانيا، وذلك بعد ان استولى عليها النازيين بقيادة زعيمهم هتلر.يتم اختيار أعضاء الفريق وفقا لمهاراتهم المطلوبة في تلك العملية، ويتوجهوا جميعا الى معسكرات التدريب، حيث يبدأ ستوكس بشرح المهمة لهم.

فرنسا 1944
يصل "رجال المعالم الأثرية" وهو ذلك الاسم الذي لقبوا به من قبل رئيس الولايات المتحدة خلال توقيعه بالموافقة على مهمتهم، الى نورماندي بفرنسا، حيث يتعرف ستوكس وفريقه على اصدقاءهم الذين التحقوا بقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ويتمكنوا من الحصول على جندي مترجم ليكون مساعدا لهم خلال ذهابهم الى ألمانيا، ويبدأ ستوكس بتوزيع أعضاء الفريق السبعة على الاماكن الأوروبية والمتاحف التي جمعت منها الآثار والتحف المسروقة، لمداهمة النازيين الى اماكن تجميعها قبل الرجوع بها الى ألمانيا. ويشرع الجميع في تنفيذ الخطة وتأدية الدور المكلف به.
وبعد الوصول الى ألمانيا، وخلال مداهمته للجنود النازيين وهم يسرقون تمثال "العذراء" من احد المتاحف الملكية الفرنسية، يلقى الخبير الإنجليزي دونالد حتفه بعد ان يطلق عليه الرصاص احد ضباط الجيش الألمان وهو مايدفع باقي أعضاء الفريق لمواصلة مهمتهم برغم من صعوبتها.

كلير سيمون
هي امرأة باريسية تعمل في متحف «جو دي بوم» الفرنسي وهو المستودع المهم للأعمال الفنية التي نهبها النازيون، ولكن سرعان مايكتشف احد الضباط الألمان ان اخيها يعمل بالمقاومة الفرنسية وقد لقى حتفه خلال عملية محاولة استرجاع احد الشاحنات الألمانية المحملة بالتحف الفرنسية، فيقرر فصلها عن العمل، وهو مايدفع جيمس جرانجر احد أعضاء الفريق المتواجد بفرنسا، اللقاء بها لتساعدهم في الوصول الى مخابئ النازيين التي جمعت بها تلك الآثار، بعد ان تعقبتهم كلير وعرفت اماكن تلك المخابئ. ولكنها ترفض العمل معهم وذلك لتخوفها من انهم سوف يحتفظون بتلك التحف الثمينة مثلما فعل الروس.
ينقسم الفريق الى نصفين، حيث يذهب جزء منهم الى مدينة سيجين والباقي الى ميركيرز، وذلك بعد ان تصلهم معلومات بأن الألمان يخبؤن التحف المنهوبة بتلك المدينتين، وفي مدينة ميركيرز يلقى الفرنسي جون كلود حتفه خلال اطلاق الجنود الألمان الرصاص عليه هو والنحات جارفيلد.
يكتشف الفريق بعد عودته من مدينتي سيجين وميركيرز، أن اسماء تلك المدن في الخريطة الألمانية، تشير الى معاني اخرى وهي عبارة عن مناجم للنحاس بألمانيا، وهو مايؤكد عدم وجود اي آثار في تلك المدن التي فتشوا فيها.

عصابات التحف
تقرر كلير مساعدة الفريق، وتدعو جرانجر للعشاء معها في بيتها لكي تطلعه على المعلومات التي دونتها خلال فترة عملها بالمتحف الفرنسي اثناء الاحتلال الألماني، وذلك عشية قراءتها لمقال عن نجاح الفريق من دخول احدى مناجم النحاس الألمانية بمدينة سيجين، والعثور على 60 الف قطعة من الأعمال الفنية المسروقة المدفونة به.تواصل كلير حديثها مع جرانجر، وتعطيه كتابا يحوي اسماء لعصابات التحف والأعمال الفنية التي قاموا بسرقتها واماكن تواجدها داخل ألمانيا.
يسافر جرانجر بعدها الى مدينة ميركيرز في ألمانيا ويلتقي بباقي أعضاء فريقه، الذين يكتشفوا وجود 100 طن من الذهب المدفونة بأعماق منجما للملح في تلك المدينة الألمانية، ينجح الفريق بعدها من دخول منجم اخر ويعثروا على العديد من التحف واللوحات الفنية المسروقة والتي تجاوز عددها نحو 3000 قطعة أثرية من ضمنها تمثال مريم المقدسة وابنها "العذراء والابن" لمايكل انجلو.
تنتهي المهمة بنجاح ويعود باقي أعضاء الفريق الى الولايات المتحدة، وتبدأ عملية إعادة القطع الأثرية الى موطنها الاصلي كل على حدة والتي بلغت نحو خمسة ملايين قطعة سرقها الألمان بالاضافة الى ما فقد منها.
فيلم قيم جدير بالاهتمام، يقدم قصة من خلال سياق تاريخي مؤثر وأحداث مهمة تمكنت من تغير العالم، وغنى في الديكورات والازياء والموسيقى الفريدة التي اعادتنا الى حقبة الحروب العالمية الثانية، يقدم لنا رسالة قوية تتلخص في حماية ارثنا من اجدادنا وحضارتنا التي يتوجب علينا الحفاظ عليها من جيل الى آخر.

رؤية ـ طارق علي سرحان
[email protected]