لقد عرف العرب في تاريخهم القديم ألواناً من الطُّيوب والعطور، وكان التطيُّب ظاهرة شائعة في مجتمعاتهم كما تدل على ذلك شواهدهم الشعرية، وبعض تلك الطُّيوب كان من صنعهم، على حين كان بعضه الآخر قد دخل بلادهم من الشرق الأقصى. وأسماء الطِّيب وأنواعه في حاجة أحياناً إلى شيء من التوضيح والتخليص من التداخل في الدلالة لنفهم في ضوئها المقاصد الدقيقة في النصوص العربية القديمة.
وأوسع ألفاظ هذا الباب لفظة (الطِّيب) التي يساوي بعضهم أحياناً بينها وبين كلمة (أرج أو أريج)، وما هذا بدقيق ؛ لأن الطِّيب هو كل ما يتطيَّب به من عطر وعود وبخور وغير ذلك. وأحبّ أن أشير هنا إلى جواز الضمّ والفتح في باء (بخور)، فقد ورد في تهذيب اللغة للأزهري (والدُّخْنَة: بَخور يُدخَّن به الثوب أو البيت)، في حين أوردها ابن سيده في المحكم بفتح الباء قائلاً: والدُّخْنَة: بَخور تُدخَّن به الثياب أو البيت. وأصل دلالة هذه اللفظة في اللغة: الرائحة أو الريح تثور، ومنها أُخذ البُخار. ومن اللطائف اللغوية في أصل مادة (بخور) وهو الجذر (بخر) أنه إن حُرِّكت الخاء ذهب المعنى إلى الرائحة النتنه التي تصدر من فم الإنسان (فالبَخَر: ريح كريهة من الفمّ، بَخِرَ الرجلُ فهو أبْخر وامرأة بَخْراء).
وأما (الأَرَج أو الأَرِيج) فهو نفحة الرِّيح الطيبة، ففي مقاييس ابن فارس (الهمزة والراء والجيم كلمة واحدة وهي الأرَج، وهو الأرِيج: رائحة الطِّيب). ومن ذلك قول الشاعر:
إِنِّـي جَنَيْتُ الـوَرْدَ مِنْها شَائِـكاً
وعَـلَيَّ فيها قَـدْ حَـنَا التُّـفَاحُ
وعَلامَـتي مِن زَهْـرِها وثِـمَارِها
هَـذا الأرِيـجُ فـإنَّـهُ فَـوَّاحُ

ومن ذلك (المِسْك) بكسر الميم،وهو ضرب من العطور تفوح منه رائحة ذكيَّة كالطِّيب. وإذا عرفنا أن المِسك كان يجلبه الهنود إلى الأمم القديمة ويمرّون بسفنهم ببلاد العرب، تَرَجَّحَ أن العرب أخذوا اسمه عن الهنود. وقد أورد ابن عبد ربّه في العقد الفريد: أن أنس بن مالك سئل: من أين شاطر عمر بن الخطاب عمَّاله ؟ فقال: أموال كثيرة ظهرت عليهم، وإن شاعراً كتب إليه يقول:
نَحُجُّ إذا حَجُّوا ونَغْزُو إذا غَزَوْا فَأَنَّى لهم وَفْرٌ ولَسْنَا بذي وَفْرِ
إذا التاجرُ الهنديُّ جاءَ بِفَارَةٍ من المسكِ راحتْ من مفارِقِهم تجري
فدونَك مالَ اللهِ حيثُ وَجَدْتَه سيرضونَ إنْ شاطرتهم منكَ بالشِّطْرِ
وفي هذا إشارة صريحة إلى أن أصل المِسْك من غير بلاد العرب.
وذهب الجوهري في صحاحه إلى أن (المِسْك من الطِّيب: فارسيّ معرَّب، وكانت العرب تسمِّيه المَشْموم). وتجب الإشارة هنا إلى أن هذا الطِّيب بكسر الميم أما فتحا فهو بمعنى الجِلد وهي عربية فصيحة.
ومثله (الكافور) وهو أخلاط من الطِّيب تُركَّب من كافور الطَّلْع، وهو من شجر ببلاد الهند والصين يُظِلُّ خلْقاً كثيراً. وقالوا أيضاً: هو اسم لصمغ شجرة هندية وخشبها ذكيّ الرائحة. وأغلب الظن أن هذه الكلمة ليست بالعربية الخالصة فهذا الجواليقي يصرّح في المعرّب قائلاً: فأما الكافور: المشموم من الطِّيب فأحسبه ليس بعربي محض ؛ لأنهم ربما قالوا: القفّور والقافور.
ومن هذه الطُّيوب لفظة (العَبِير) التي يذهب الناس إلى أنها اخلاط من الطِّيب، لكنّ العبير عند العرب هو الزعفران. قال الأعشى:
وتَـبْـرَدُ بَـرْدَ رداءِ الـعَــــرُو سِ في الـصيفِ رَقْرَقْتَ فيهِ الـعَبـيرَا
ومن تلك الطُّيوب أيضاً (العَنْبَر) وهو ضرب من الطِّيب، وذكر الصاحب بن عبّاد في المحيط في اللغة أن اسمه (الإبْلِيم). وكذلك من الطُّيوب (الزَّعفران) وقد نصّ الخليل في معجمه العين أنه (صِبْغ وهو من الطِّيب).
والصَّنْدل والوَرْس والعُود كل ذلك مما عرفه العرب وأدخلوه في الطِّيب وصناعته.

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
أستاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]