عزة القصابية*
يعد المسرح المرآة العاكسة للواقع المعاصر، والمعبر عنه شكلا ومضمونا، إلا التجارب المسرحية الحديثة قللت من دور الخطاب المسرحي الحواري وتنافست في توظيف السينما والوسائط، وقدست جسد الممثل والمؤثرات الموسيقية، في حين بدأت عناصر المسرحية التقليدية في الذوبان.
وهذا جعل عروض الكلمة تتوارى أما خلف عباءة العروض الحديثة الأقرب إلى فنون السيرك والشارع أو تختفي خلف قناع المسارح التجارية. ونلمح في مصر ظلال عروض المسارح التقليدية التي ما زالت تعرض بحفاوة جماهيرية. ومن هذه العروض مسرحية "بيت الطيب" وهي مسرحية ذات طابع اجتماعي، من تأليف على أبو سالم ومن إخراج عمرو قابيل.
ولقد اتصفت هذه المسرحية بطابعها السردي الحواري على غرار المسرحيات الكلاسيكية، التي تتسم بمنطقية الحدث مع وجود بداية ونهاية محددة لها سلفا. بينما الشخصيات الأخرى بدت تتكشف من خلال السرد الحواري، فيما كانت حبكة الأحداث واضحة المعالم، وسرعان ما وصلت إلى الذروة وانتهت بانتصار الخير على الشر. وتتحدث مسرحية (بيت الطيب) عن قصة تقع في منزل أبو الطيب، والذي ورثته زوجته عنه مع ابنتها. وعاشت أرملة الطيب مع ابنتها أكثر من عشرين عاما، وحيدتان، حتى ظهرت الفتاة الغجرية الساحرة (الغريب) في حياتهما ...التي كانت تقرأ الفنجان وتتكهن بالغيب، وفي نفس الوقت تتدعي البراءة كونها فتاة فقيرة جاءت للعمل وكسب قوتها اليومي.
ولكن سرعان ما تكشفت شخصية الغجرية، والتي بدت في البداية كشخصية مغلوبة على أمرها، ولكنها سرعان ما بدأت في ممارسة طقوس السحر حتى تمكنت من أحكام القبضة على الأم والابنة .. وخاصة بعد أن عرفت نقاط الضعف لديهما، واستطاعت استغلالها واللعب على أوتارها ...حيث بدأت تخاطب ذات الأم ..والتي بدت محرومة من العاطفة منذ سنين طويلة، حيث جعلتها تتوهم أن هناك من يرغب الزواج منها ... وبالمثل فعلت مع الابنة الشابة المتعطشة للحب والزواج الباحثة عن الحب العذري وعن فارس الأحلام المنتظر.
وفي النهاية استطاعت الغجرية أن توقع الشقاق بين الابنة والأم، والتي بدت في سباق محموم للفوز بفارس الأحلام بطريقة محبوكة ...ولكن سرعان ما انكشفت الحقيقة ، وتكاتفت الابنة والأم للتخلص من الوهم الذي رسخته الغجرية.
رغم واقعية الأحداث التي اتسمت بالسرد الحواري الطويل، كون القصة لا تتحمل الغموض فهي في غاية البساطة... وإن كانت في بعض محاورها تميل إلى الرمزية، خصوصا عند مواجهة لغز الغرفة المغلقة، التي بدت سدا منيعا يصعب اختراقه. ومن جانب آخر، لو رصدنا الشخصيات، سنجد أنها تحمل دلالات كثيرة خصوصا في علاقاتها مع بعضها البعض ....فالغجرية هي الغريب الذي اقتحم البيت الآمن ، وأحكم القبضة عليه عندما استطاع أن يوقع الفتنة...وبدأت أركان البيت تعبر عن الواقع السياسي العربي الذي دخل في موجة من الفتن والعنف الطائفي والحزبي وتدخل الغريب في الشؤون الداخلية.
ولقد قدمت هذه المسرحية في منزل تراثي الذي حولت ساحته إلى خشبة مسرح، مع إضافة بعض قطع الديكور...فقد كانت هناك أريكة تجلس السيدة عليها وطاولة حقيقية مع بعض قطع الديكور البسيطة ....فيما عاش الجمهور أجواء حميمية امتزجت بدخان البخور الذي تحمله الغجرية، إضافة إلى الإضاءة التي التمست من أعمدة المنزل فيصلا لها .
إلا أن العرض وقع في الإسفاف عندما قامت شخصية الرجل بالاستعراض، وارتداء ملابس أقرب إلى "زي" الساحر....وأداء دور استعراضي راقص .....مما جعل العرض مشتتا، وفقد الكثير من مصداقيته التي استمر عليها منذ البداية، إضافة إلى الإسهاب في سرد تفاصيل الموضوع والنهايات المتكررة والانتظار مما جعل المسرحية تستمر لمدة ساعة ونصف .
ولقد كان المخرج وفيا للنص، ملتزما بحرفيته الواقعية، دون تقديم رؤية إخراجية واضحة المعالم، يمكن أن تكسر تقليدية هذا العرض، الذي سيطرت عليه النبرة السردية الطويلة ، مع الالتزام بالديكور والإكسسوارات والأزياء الواقعية ..كما أن المؤثرات الموسيقية والصوتية لم تخرج عن تبعات الموضوع، الذي أكد القصة الواقعية التي عاشتها الشخصيات وسردتها كلمة كلمة .
ولقد أثقل كاهل الممثل الحوار السردي الطويل، وغياب الرؤية الإخراجية المبدعة ، مما جعل العمل يسير بإيقاع رتيب، فهو لا يملك سوى قصة يرويها بتوال رتيب، مما جعل الأحداث تتسم بالملل والتكرار... برغم محاولة المخرج في الانتقال عبر المشاهد داخل المنزل الواحد ...حيث يمكن مشاهدة الزهور التي زين المنزل بها....ولم تكن هناك أية لمسات إخراجية واضحة، يمكن أن تنقذ العرض من رتابته التي امتدت نحو ساعة ونصف!
ورغم جمالية الأداء المعبر عن الذات عند الفنانة الموهوبة رندا والفنانة نسمة، إلا أن تصالح النص مع مفردات الإخراج، جعله يقع في فخ الأداء النمطي، حيث ظل يسير على وتيرة واحدة دون محاولة التغيير أو جذب انتباه المشاهد .

كاتبة وناقدة مسرحية.