الفن مرآة النفس وهي فعل أخلاقي ووجداني تنبثق منها النتاجات الفنية بمختلف أشكالها وتلعب خبرة الفنان وثقافته ووهج إحساسه الدور الأسمى في بلورتها وتشكُلها ، وبما أن العمل الفني هو نتاجٌ فكريٌ محض لا يمثل الواقع بل يعكسه بطريقة مبتكرة، يقول سيزان "إنني لم أحاول أن أنسخ الطبيعة، وإنما مثلتها " ، لذا نجده في صورٍ متنوعة وبرؤى مبتكرة يقدمها الفنان في هيئة حالة يتعايش معها فكرياً أو نفسياً لتصير فيما بعد خطوطاً وألواناً ومساحات وكتل في إطار موضوع وتعبير ومادة .
من هذا المنطلق سنطوف مع القارئ في رحلة تذوقية جمالية الهدف منها سبر أغوار لوحات الفنانين التشكيليين العمانيين والكشف عن الخصائص الإبداعية والقيم الجمالية التي تميزت بها نتاجاتهم الفنية ورؤية مدى التفاعل بين فكر الفنان وأدواته والخامات التي استخدمها والعناصر التي صاغها لتحقيق فكرته المدعمة بالرموز والدلالات بناءً على خبراته وتأملاته في الحياة وسعة ثقافته وثرائه التشكيلي.
وسيكون لحديثي عن الأعمال الفنية في صفحات "أشرعة" الأسبوعية مسالك أسلكها ومرتكزات أقف عليها خشية الحديث في تفرعات قد تذهب بنا بعيداً عن تحقيق المتعة الجمالية التي هي صلب قضيتنا، كالحديث عن الفنان أو تاريخه أو المذاهب الفنية التي ينتمي إليها أو الإشارة إلى أعماله السابقة التي نفذها أو الظروف التي أحاطت به عند تنفيذ العمل، لأن هذا الأمر يكون شأن الباحث أكثر منه شأن المتذوق، لذا سيكون محور حديثنا هو العمل بذاته وتأمل مكنوناته وتبيان علاقاته الجمالية من خلال عناصره ومفرداته، فالهدف إذاً من حديثنا سيكون عن العمل الذي نود أن نقرأه وهي رؤية ستكون مرتبطة بي شخصياً وفق ما وصلت إليه خواطري وأحاسيسي من تأملات خاصة تجاه العمل وقد أخرج من إطار القالب الذي بناه صاحب العمل لفكرته وقد أتوافق معها وقد أضيف لها شيئاً جديداً، ولكن في نهاية الأمر لن أخرج عن جسد العمل بل سأغوص في لجته مستنداً على حبل رموزه ومفرداته عاقداً المقارنات التي تظهر جمال العمل وتألقه وقيمهُ الجمالية والتشكيلية والأثر الذي سجله في نفسي بناءً على تلك المعطيات، سائلاً العلي القدير أن أكون موفقاً في قراءتها ونثر نسائم أعمال المبدعين التشكيليين العمانيين لمن يعشقون تأمل وتذوق فنهم واستنطاق عبق مكنوناتها بغرض تحقيق الاستمتاع البصري للمتلقي .

عبدالكريم الميمني
[email protected]