تعدّ المرأة الطرف المكمل للرجل، والعمود الذي تستقيم بسلامته الأسرة، ولأجل ذلك لاقت من العناية في ظل التشريع الإسلامي ما لم تلقه من التشريعات والديانات والأمم الأخرى ، فهي جوهرة مصونة ، ونعمة مرعيّة، بحقوقها وكرامتها ، وكيانها ومجدها ، يقول الله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)"البقرة/228". فهن - أي النساء - شقائق إخوانهن الرجال عليهن واجبات ، ولهن حقوق اعترف الإسلام بهن وأقرهن، وقد فقدنها النساء في العالم الغربي سابقا، وبالغت لاحقا بعض بلدانه في إقرارها حتى انسلخت المرأة من طبيعتها الأنثوية الحقيقية، وغريزة فطرتها البريئة وبجانب النص القرآني السابق المقِرّ لحقوق المرأة والمُلزِم بواجباتها تجاه الرجل ، هناك نصوص هي الأخرى تشير إلى حقوق المرأة، ومن ضمن تلك النصوص التي تُقرّ حق الكرامة الإنسانية للمرأة مثل الرجل قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) "الإسراء/70" للدلالة على تكريم المرأة إنسانيا ، إذ أن لفظ بني آدم تشمل الذكر والأنثى وكذلك قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)"الحجرات/16" للدلالة على تحريم التمييز بين الذكر والأنثى إلا على أساس معيار التقوى وهناك الكثير والعظيم من النصوص المقررة لحقوق المرأة الأخرى في الإسلام، فقد كانت لها العديد من الإنجازات في مختلف التخصصات والأعمال السياسية والتعليمية والدعوية وغيرها، فهناك المرأة القائدة، والمرأة المحاربة، والمرأة المربية، والمرأة الداعية، والمرأة الطبيبة، والمرأة العالمة، والمرأة التاجرة، وغيرها من صنوف النساء اللاتي شهدت لهن صفحات التاريخ الإسلامي دون سواه بالاعتدال وعدم الإجحاف أو المغالاة في حقوقهن .
لقد أقرت التشريعات العمانية وفي مقدمتها النظام الأساسي للدولة والقوانين الدولية والعالمية كل الحقوق المشروعة للمرأة في الإسلام ، ويمكن أن نستخلص بعضا من تلك الحقوق في السياق الاستقرائي الآتي : أولا : حق العدل والمساواة أقرته المادة (12) من النظام الأساسي إذ قالت : "العدل والمساواة وتـكافـؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكـفلها الدولة" فلفظ العمانيين من ألفاظ العموم فهو شامل للعمانيين الرجال والنساء ، كبيرهم وصغيرهم ، عاقلهم وقاصرهم ، غنيهم وفقيرهم ، وبذلك يكون القانون العماني كفل حق العدل والمساواة للمرأة في جميع الفرص وشؤون الحياة التي ينعم بها أخوها الرجل دون تمييز أو تحيّز ثانيا : حق الكفاءة في الزواج : أقره قانون الأحوال الشخصية العماني حيث جعله مناطا بالمرأة ووليها ، وذلك كما أشارت المادة (20) منه بالقول: "الكفاءة حق خاص بالمرأة والولي". ثالثا: حقوق المرأة الأسرية: حيث إن المادة (37) من قانون الأحوال الشخصية بينتها بالتفصيل؛ وتتمثل في : حق النفقة، وحق التصرف في أملاكها، وحق العدل بينها وبين شريكاتها من الزوجات ، وحق زيارة أبويها وأرحامها ، وحق الدفاع عنها وعن كيانها الاجتماعي.
كما أن القوانين والاتفاقيات الدولية رعت وأقرت هي الأخرى حقوق المرأة المختلفة وباستقراء تلك الاتفاقيات والمواثيق نجد حقوق المرأة تبرز كالآتي: أولا : أقرت الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 640 (د-7) أقرت جملة من تلك الحقوق ، منها حق التصويت والترشيح وتولي الوظائف العامة داخل وطنها ومجتمعها كما أشارت جملة من مواد الاتفاقية إلى ذلك.
ثانيا: ذكرت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/180 ذكرت مجموعة من حقوق المرأة ضمن موادها المختلفة، ومن ضمن الحقوق التي ذكرتها الاتفاقية الحقوق السياسية، والجنسية، والحقوق التربوية والتعليمية ، وحقوق المرأة الريفية ، والرعاية الصحية وغيرها.
ثالثا: إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2263 (د-22) 1967، ذكر جملة من حقوقها في مجال التعليم والجانب الاقتصادي والاجتماعي كما في المادة (9) و (10) منه وهناك العديد من الاتفاقيات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق المرأة ، كان لإقرارها والعمل بها من قبل الموقعين عليها ضمانا دوليا وإقليميا واسعا لتلك الحقوق ، ومن ضمن هذه الاتفاقيات ما يأتي : اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ، والاتفاقية الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة، واتفاقية بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، واتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة ، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، وبروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، ومنظمة المرأة العربية ، وقد كان تكوينها انطلاقا من إعلان القاهرة الصادر عن مؤتمر قمة المرأة العربية الأول المنعقد في نوفمبر(تشرين ثاني)2000م، وإعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة ، وإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة ، والوثيقة الختامية لمؤتمر بكين 1/9/199 والقرار رقم 52 - 100 بشأن متابعة المؤتمر الرابع المعني بالمرأة والتنفيذ التام لإعلان بيجين ومنهاج العمل ، إن الدولة العمانية وضمن حقبها المنصرمة تاريخيا أدركت ما للمرأة من حقوق تضمن كرامتها، وتحترم عاطفتها ، وترعى ضعفها، وتؤمّن على حياتها، وذلك في أحلك الأوقات ، وأنكى الإحن والأزمات، تجاه أراضيها ومدنها التابعات وتترجم ذلك في العهد الذي كتبه الإمام الصلت بن مالك الخروصي أحد الأئمة العمانيين العاملين الورعين في القرن الثالث الهجري حينما كتب إلى جيشه الذي سيره إلى جزيرة سقطرى الواقعة على الجهة الجنوبية للجمهورية اليمنية والتي كانت في ذلك الوقت تابعة ليد الدولة العمانية ، عندما نكث أنصارها العهد والميثاق الذي كان بينهم وبين إمام عمان حينها بالاعتداء على المسلمين على الجزيرة، حيث إن الإمام الخروصي أدرك حقوق المرأة في الحرب حينما أسند توجيهاته من خلال وصيته إلى جنده بألا يقتلوا صبيا صغيرا ولا شيخا ولا امرأة ، إلا شيخا أو امرأة أعانوا على القتال وإلى لقاء آخر يجمعنا ـ بمشيئته تعالى ـ أستودعكم الله في الحل والترحال ...

محمد بن سيف بن دويّم الشعيلي
msd99509559@hotmail
- المحكمة العليا.