[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تبدو مؤشرات تطورات الأحداث في تركيا أنها بدأت تنزلق إلى أتون مهالك "الحريق العربي" الذي تكفلت حكومة العدالة والتنمية بدعمه جنبًا إلى جنب مع الأعراب والغرب، انطلاقًا مما لديهم من أموال وقدرة على التكوين النفسي والسياسي السادي، لضرب آخر ما تبقى من ثوابت التاريخ وقواعد الحياة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، حيث وجدوا ضالتهم في إنجاز هذه المهمة في التنظيمات الإرهابية وأصحاب السوابق الذين تعج بهم السجون في دول الفساد، فقدموا لها كل ما تحتاجه من أموال وسلاح وتدريب وغطاء شرعي وسياسي ودبلوماسي.
لقد استسهلت حكومة العدالة والتنمية ومن معها من الأعراب والرجعيين الرهان على إرهاب "داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الفتح وجيش الإسلام ولواء السلطان مراد" (والقائمة تطول) في تنفيذ المهمة لتحقيق الهدف الاستراتيجي للسيد الصهيو ـ أميركي، وفي الوقت الذي ظنوا فيه أن كل الطرق سالكة إلى تدمير الأوطان والإنسان وامتهان الكرامة وانتهاك الأعراض وضرب القيم والأخلاق وتدجينها بما يخدم إنجاز المهمة وتحقيق الهدف، كانت الدعوات الصادقة والمخلصة تأتيهم من سوريا وخارجها بأن الطرق ليست سالكة للنيل من كرامة سوريا وكرامة شعبها ومن سيادتها واستقلالها، بل إن هناك طريقين لا ثالث لهما أمام ما أنتجوه من إرهاب؛ إما طريق العودة وتحمل تبعاتها وارتداداتها، وبالتالي هي نتيجة طبيعية، فمن يربِّ الأفاعي والعقارب عليه أن يتهيأ لتلقي لدغاتها ولسعاتها، وإما طريق الهلاك على أيدي بواسل الجيش العربي السوري وحلفائه المقاومين.
كان التوصيف الأقرب لتركيا ـ إردوغان في الدور الذي مارسته ولا تزال بأنها ستكون باكستان جديدة، وكان هذا التوصيف بثوب التحذير يرفع عاليًا أمام العقلاء في تركيا والتنبه إلى أن الانخراط في لعبة تدمير الأمم والأوطان والشعوب، ورغبة حكومة العدالة والتنمية في تحولها إلى الصنبور المتحكم بحركة الإرهابيين باتجاه سوريا والعراق، والعائق في الوقت ذاته للراغبين من هؤلاء الإرهابيين في العودة إلى بلدانهم الأصلية أو الأماكن التي جاؤوا منها، سيجر عليها ويلات كثيرة من حيث تدري ولا تدري.
وعلى الرغم من توالي التحذيرات والنداءات والدعوات، فإن الخرق أخذ يتسع على الراقع، حيث سقوف الأحلام العثمانية أرادها إردوغان أن تعلو ولا يُعْلَى عليها، في حين أن حقائق الواقع تدور من حوله بأنها أضغاث أحلام، بل هي سراب.
تركيا تصبح وتمسي على تفجيرات إرهابية، ولسنا مطالبين أو مكلفين بالبحث عن الجهة المسؤولة عنها، ورغم إدانتنا لها، إلا أن من المهم أن نقدح زناد الذاكرة للمواطن العربي البسيط ولعوام الناس، وبالأخص أولئك المخدوعون بالسياسة الإردوغانية، لنذكرهم بأنه حين استهدفت هذه التفجيرات الإرهابية الأبرياء السوريين من مدنيين وعسكريين في بداية تفجير المؤامرة على سوريا، كانت أصابع الاتهام من قبل جميع معشر المتآمرين على سوريا بأن هذه التفجيرات هي من تدبير "النظام" السوري، ليبرهن على "ادعاءاته" بأن ما تتعرض له سوريا هو إرهاب وليس "ثورة" شعبية، وليبرر "عنفه" و"قمعه" لهذه "الثورة" و"المطالب الشعبية"، وقد كان لافتًا حجم الدور الذي لعبته وسائل الإعلام التابعة لمعشر المتآمرين في عملية التشويه والتحريض والفبركة، مع أن لغة المنطق والعقل تقول: كيف يمكن لنظام أن يتخلص من عسكرييه الذين هم عموده الفقري وسبب قوته، بل كيف يقضي على من يفترض أنهم "يقمعون" و"يقتلون" و"يمارسون العنف" بحق "الثورة" و"الثوار"؟
اليوم يذهب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مذهبًا ديكتاتوريًّا بعدما بدأت تركيا تشرب من الكأس ذاتها التي أعدتها حكومة العدالة والتنمية والأعراب والرجعيون في المنطقة، فلم يقل مثلما قال الرئيس بشار الأسد إن بلاده تتعرض لمؤامرة إرهابية كونية، وإن محاربة الإرهاب واجب شرعي وأخلاقي مع الاعتراف بحقوق الشعب وبشرعية مطالبه، وإنما رفض إردوغان الديمقراطية وبدأ ينتقدها مُقلِّلًا من أهميتها ودورها ومن الحرية وقيمتها، وهي التي قال إنه يقاتل من أجلها في سوريا، وفي سبيلها وقف إلى جانب "داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام واللواء السلطان مراد وغيرها". فأمام اجتماع لمسؤولين أتراك أكد إردوغان أن "المعركة ضد الإرهاب أهم من الديمقراطية، والحرية، وحكم القانون". وأضاف "بالنسبة لنا، هذه الكلمات لم يعد لها معنى.
دون شك أن إعلان إردوغان التحلل من الديمقراطية والحرية والقانون، والتشديد على القبضة الحديدية، يطرح علامات استفهام كثيرة منها: ماذا لو كان هذا الكلام صادرًا عن الرئيس السوري بشار الأسد، سواء في بداية تفجير المؤامرة أو في أي مرحلة من مراحلها؟ وما رد الفعل من قبل معشر المتآمرين؟ وما رد إردوغان ذاته وهو الذي اتهم الرئيس الأسد في بداية المؤامرة بأنه "ديكتاتوري" و"عديم الأخلاق" و"يقتل شعبه" حين أكد الأسد أن ما يحصل في سوريا هو إرهاب وليس "ثورة"؟ وإذا كان يحق للرئيس التركي وصف "حزب العمال الكردستاني" الذي هو في مواجهة معه بأنه تنظيم إرهابي، ألا يحق للرئيس بشار الأسد ولحكومته وصف جميع التنظيمات الإرهابية التي دمرت البنية التحتية السورية، وقتلت وشردت وعاثت فسادًا بحق الشعب السوري بأنها إرهابية؟ أوليس يحق أيضًا لسوريا وحلفائها وأصدقائها المخلصين وصف "حزب العمال الكردستاني" بأنه "معارضة تركية معتدلة" مثلما توصف جميع التنظيمات الإرهابية في سوريا بأنها "معارضة سورية معتدلة"؟ أوليست هذه التنظيمات الإرهابية يجمعها سلوك واحد وهو الوحشية والقتل والتدمير؟
وكما قلنا آنفًا إننا لسنا مطالبين ولا معنيين بالبحث عن من يقف وراء الهجمات الإرهابية المدانة في تركيا والتي تستهدف المدنيين، إلا أن طبيعة التحرك لحكومة العدالة والتنمية كفيلة بإعطاء إشارات مهمة حول حقيقة ما يدور في تركيا، من خلال السير على العهد القديم، أو انتهاج سياسات مغايرة تمامًا تستجيب مع النظرية الداودية "صفر مشاكل".