[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” يوم تاريخي لتركيا والموقعين معها على الاتفاق بشأن اللاجئين لأنهم اعتبروه نقطة تحول مهمة للطرفين، خصوصا على صعيد التعاون الاقتصادي، أو التعاون السياسي. بيد أن هذا الاتفاق شكَّل محنة كبيرة للاجئين، ولا سيما السوريين، الذين يشكلون الغالبية بينهم، حيث أغلق باب الهجرة "غير الشرعية" أمامهم للوصول إلى الاتحاد الأوروبي. ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باعنا حكام تركيا.. هذا ما صرح به أكثر من لاجئ سوري الى وسائل الاعلام التي بثت الخبر. في وقت اعلن رئيس وزراء تركيا احمد داود اوغلو من منصة التوقيع على الاتفاق في بروكسل بان يوم توقيع الاتفاق كان يوما تاريخيا لتركيا. مضيفا: "أدركنا اليوم أن تركيا والاتحاد الأوروبي يجمعهما المصير ذاته والتحديات ذاتها والمستقبل ذاته". هكذا كان له يوما تاريخيا لتركيا وكذلك للاجئين الموجودين الآن بين الحدود أو السواحل، الذين اعتبروا الاتفاق على حسابهم وعلى مصيرهم، صار يوما تاريخيا يسجل في ايام محنتهم، وقد تحملوا الاهوال وصولا الى اليونان من تركيا، ومثلها الى تركيا او اكثر. غامروا بحياتهم وهم يرون قوافل الغرقى والتائهين والمحتمين بخيم تحت قصف البرد والثلج والمجهول. ومن جانبه قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن الاتفاق بين الدول
الـ 28 في الاتحاد الأوروبي وتركيا كان مجمعا عليه. ولكن الأمم المتحدة حذرت من انه ينبغي تعزيز قدرات اليونان في التعامل مع طلبات اللجوء، مضيفة ان تنفيذ الاتفاق "امر حيوي". وقال مصدر في الاتحاد الأوروبي إن نحو 72 الف لاجئ يقيمون الآن في تركيا سيشملون بالتوطين في دول الاتحاد بموجب الاتفاق، مضيفا انه سيجري التخلي عن هذه الآلية في حال تجاوز عدد المعادين الى تركيا هذا العدد. في الوقت نفسه شبه وزير الداخلية اليوناني بانايوتيس كوروبليس الأوضاع في معسكر ايدوميني على حدود بلاده مع مقدونيا بمعسكرات الاعتقال النازية. وهذه في الحقيقة صورة مأساوية ستبقى وصمة عار على القيم الأوروبية والإنسانية ودعاة الدفاع عن حقوق الانسان والضمير الإنساني وكشفا لمشاركة اوروبا في دمار الشعوب وخراب البلدان والوقوف متفرجين على كوارثهم فيها.
اكثر من مليون مهاجر ولاجئ دخلوا الى الاتحاد الأوروبي بحرا من تركيا الى اليونان منذ كانون الثاني/ يناير 2015، حسب احصائيات الدوائر المتابعة لهم، فيما وصل نحو 132 الفا هذه السنة فقط. وترك عشرات الآلاف من هؤلاء عالقين في اليونان وأغلقت منافذ التوجه امامهم الى اي بلد آخر.
يوم تاريخي لتركيا والموقعين معها على الاتفاق بشأن اللاجئين لأنهم اعتبروه نقطة تحول مهمة للطرفين، خصوصا على صعيد التعاون الاقتصادي، أو التعاون السياسي. بيد أن هذا الاتفاق شكَّل محنة كبيرة للاجئين، ولا سيما السوريين، الذين يشكلون الغالبية بينهم، حيث أغلق باب الهجرة "غير الشرعية" أمامهم للوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وينص الاتفاق الذي تم التوصل اليه في قمة أوروبية تركية عقدت في بروكسل على اعادة المهاجرين الذين يصلون الى اليونان الى تركيا في حال رفضت طلبات اللجوء التي يتقدمون بها، وبتوطين المهاجرين السوريين الذين يقيمون فعلا في تركيا. ورحب الزعماء الأوروبيون بالاتفاق، ولكن المستشارة الالمانية انجيلا ميركل حذرت من احتمال تعرض الاتفاق لتحديات قضائية.
كما اعطى الاتفاق في صيغته النهائية بعض التنازلات لتركيا، حيث تتقاضى لقاء قبولها اعادة هؤلاء اللاجئين مساعدات مالية وتنازلات سياسية. منها موافقة الأوروبيين على تسريع إجراءات إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول وتحريك مفاوضات الانضمام بفتح فصل جديد يتعلق بالمالية والميزانية ومضاعفة المساعدة الأوروبية لـ2,7 مليون سوري لاجئين في تركيا من 3 إلى 6 مليارات يورو.
اتهمت منظمة العفو الدولية الزعماء الأوروبيين "بالنفاق"، بسبب الاتفاق، وعلقت بانه اخفق في التستر على "تصميم الاتحاد الأوروبي الذي لا يلين في التنصل من أزمة اللاجئين العالمية." وقال جون دالهويسن، مدير شؤون اوروبا وآسيا الوسطى في المنظمة، إن الوعود التي اطلقها الاتحاد الاوروبي باحترام القوانين الدولية والأوروبية والتقيد بها "تبدو كغلاف من السكر على حبة سم السيانيد الذي اجبر مبدأ حماية اللاجئين في اوروبا على اجتراعه." وأضاف "ان الضمانات بالاحترام الكامل للقانون الدولي لا تتماشى مع اعادة كل المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون الى الجزر اليونانية الى تركيا اعتبارا من يوم الاحد 20/3/2016."
وقال دالهويسن إن "تركيا ليست بلدا آمنا للمهاجرين واللاجئين"، مضيفا إن اي اتفاق من شأنه اعادة المهاجرين مبني على هذه الفرضية يكون "معيبا وغير قانوني ولا اخلاقي."
مع ذلك، فإن الاتفاق لم ينل رضا كبيرا من كثير من الدول الأوروبية، لأنه في مضمونه يبتعد عن معايير الاتحاد الأوروبي الإنسانية. وهو ما عبر عنه مسؤول أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية، قائلا إنه "ليس اتفاقا جيدا جدا، لكننا مضطرون إلى ذلك. لا احد يعتز بذلك لكن لا بديل لدينا". كما عبرت بعض الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي عن قلقها ازاء سجل تركيا في مجال حقوق الانسان خصوصا.
الاتفاق عُقد وظلت نقاط منه قائمة ومقلقة وخطيرة، بحسب كثير من القادة الأوروبيين، مع دولة متهمة بنزعة استبدادية في الحكم، سواء فيما يتعلق بالحرب على سكانها الأكراد، أو فيما يتعلق بعدم احترامها حرية الرأي، في ظل التضييق الكبير على وسائل الاعلام. فتركيا ليست بلدا آمنا للاجئين والمهاجرين، وأية عملية لإعادتهم، بناء على ذلك، ستكون معيبة وغير قانونية أو أخلاقية، وفق ما أعلنت إحدى المنظمات الأوروبية الحقوقية. وهو ما يفضح ازدواجية المعايير التي تمارسها الدول الاوروبية وما يكشف عمليا تناقضات ادعاءاتها بحقوق الانسان والقوانين الدولية الانسانية. كما انها في اتفاقها هذا وتنازلاتها لا تستر مشاركتها في المأساة الحاصلة وفي الحروب التي كانت ومازالت سببا رئيسيا في الهجرة وطلب اللجوء.
قبل يوم من سريان مفعول الاتفاق بدأت تركيا فعلا بتنفيذ تعهداتها، لإعلان التزامها الجدي بالاتفاق، حيث أعلنت قوات الأمن التركية أن قوات خفر السواحل وشرطة الدرك ألقت القبض على 1734 مهاجرا و16 مهربا يوم الجمعة 18/3/2016، في إطار حملة واسعة لمنع اللاجئين من الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.