كلما حملت إلينا وسائل الإعلام خبرا عن اجتماع وشيك بين الزعماء العرب يسر كل مواطن فيما يمكن أن يسفر عنه اللقاء من قرارات تصب في صالح الأمة العربية وتعيد لها مكانتها المفقودة وتراوده أحلام اليقظة في إمكانية الاجتماع على كلمة واحدة والتحدث بلسان واحد وتوثيق المصالح المشتركة التي تقوي من شوكة الأمة وتجعلها قادرة على التصدي لأي مخططات تسعى لتفتيتها والوقوف ضد أي عدو ككيان واحد وجسد واحد مشترك.
لكن للأسف يستيقظ المواطن على الواقع المرير .. فالقمة تلو القمة تعقد ويبقى الوضع على ما هو عليه إن لم يكن أسوأ .. والشعوب العربية تتآكل وتتفتت بأيدي أبنائها، والخلافات بين القادة تزداد، والهوة بين الدول العربية ككيانات تتسع وكأننا مساقون برغبتنا ورضانا نحو التشرذم والفرقة.
وما أن سمعنا عن قمة الكويت.. تبادر إلى ذهني سؤال يدق في رأسي في كل مرة يجتمع فيها القادة .. ماذا يريد العرب من قادتهم في أي قمة يجتمعون فيها ؟
لاشك أن ما تريده الشعوب العربية كثير .. فهي تنشد الوحدة خاصة أنها جميعا تشترك في وحدة الأصل والدين واللغة التي يجب أن تتوج بوحدة فعلية بأن يكون العرب حكاما وشعوبا على قلب رجل واحد يتصدى للتحديات بكل قوة وصلابة ويتحدث بكلمة واحدة يسمع صداها من النيل إلى الفرات .. كما أنها تنشد الاستقرار والأمان وتوقف الصراعات وحمامات الدم التي تسيل هنا وهناك دون مبرر ولأسباب واهية يدفع ثمنها الجميع .. إلى جانب أنها تحلم باختفاء الظواهر السلبية كالبطالة والفقر وتحقيق التكامل بين المنظومة العربية بأكملها وعلى كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية .. ولا ننسى تحريرها من الاحتلال سواء احتلال الأرض أو الاقتصاد أو الفكر والعقل .. وغير ذلك الكثير.
الجميع يعرف أن هناك الكثير من الملفات الساخنة على طاولة الحكام العرب في قمة الكويت والتي تحتاج لحلول جذرية لكن هذه الحلول لن تكون ناجعة إلا بوحدة الرأي وتنحية المصالح الشخصية جانبا وتغليب مصلحة الأمة ككل وجعلها أولوية.. فالأعداء يتربصون بنا الدوائر وينتظرون الفرصة للانقضاض على الأمة ونهب خيراتها وهذا ما يجب أن نعيه قبل فوات الأوان.
مشكلة قممنا العربية أنه في كل مرة تخرج بعدة توصيات تفتح باب الأمل أمام الشعوب للإصلاح لكنها للأسف تظل حبيسة الأدراج ولا ترى النور حتى تأتي القمة التالية التي توصي بتفعيل القرارات السابقة وهكذا .. وهو ما يجعلنا نطالب بتطوير جامعتنا العربية المعنية بتنفيذ قرارات كل قمة عربية.
لاشك أن لم الشمل ورأب الصدع بين دول أمتنا العربية هو الحل الوحيد الذي يخرجها من عنق الزجاجة الذي تمر به ويحل الأزمات التي تطيح بشعوبها وينير لهم النفق المظلم الذي يسيرون فيه .. فالحوار المثمر البناء أصبح مطلوبا بشدة في الوقت الراهن حتى تنعم أمتنا بالاستقرار والأمان الذي تنشده كافة شعوبها.
وفق الله قادتنا لما فيه خيرنا وأنعم على شعوبنا بالرفاهية والاستقرار .. إنه نعم المولى ونعم المجيب.

* * *
تدريب الطلاب خطوة في طريق التنمية

الدراسة التي أجرتها شركة "إرنست آند يونج" والتي تم كشف النقاب عنها ضمن فعاليات منتدى جدة الاقتصادي جديرة بالاهتمام ويجب أن يأخذها المسئولون بالخليج في الاعتبار لتحقيق التنمية المنشودة.
إن الدراسة التي تحمل عنوان "آفاق توظيف الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي" كشفت عن رأي أصحاب العمل في دول الخليج الذين يرون أن نظام التعليم المحلي لا يزود الشباب بالمهارات اللازمة التي يحتاجها سوق العمل وهذا بالتأكيد يجعلنا نعيد التفكير في المنظومة التعليمية والتدريبية مرة أخرى حتى يتم تحقيق توافق بين مخرجات التعليم والسوق.
من أجمل ما أظهرته الدراسة أن التعليم المحلي يغرس في نفوس الشباب السلوكيات الصحيحة وهذا يعني أن الإدارة التعليمية استطاعت بجدارة أن تجمع بين التربية والتعليم .. فليس من معنى للعلم دون أخلاق تصونه وتوجهه الوجهة السليمة.
لقد خلصت الدراسة إلى أنه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وجهات نظر أصحاب العمل عند تصميم المناهج التعليمية حتى يتم تصحيح الخلل وتسد الفجوة بين المخرجات ومتطلبات السوق بحيث يتاح التدريب اللازم الذي يوفر المهارات الضرورية للشباب.
قد يقول البعض إن الخبرة العملية والاحتكاك بالجمهور والتعامل الواقعي في السوق هو الوسيلة الفعالة لإكساب المهارات اللازمة .. لكن مما لا شك فيه أن التدريب سوف يسرع من الاندماج في العمل ويضفي عليه حرفية ويجعل الشاب يتمكن من آليات السوق فيقتحم هذا المجال الجديد وهو يمتلك خلفية تساعده على التفاعل معه بكل سهولة.
نحمد الله أن دولنا الخليجية لديها من الإمكانيات ما يؤهلها لتوفير برامج تدريبية ووسائل محاكاة على أعلى مستوى ولو وظفتها بالصورة الصحيحة فإنها سوف تمنح شبابها الخبرة والمهارة التي يحتاجها في بداية حياته العملية.
المحبط أن الدراسة كشفت عن أن معظم الشباب في دول مجلس التعاون باستثناء البحرين لا يميلون إلى إقامة مشاريع خاصة بهم .. وهو ما يشير إما إلى جهل الشباب بأهمية القطاع الخاص في تنمية اقتصاد البلاد أو إلى عدم تمتع شبابنا بحب المغامرة ورغبتهم فقط في أن يصبحوا موظفين تقليديين، لذلك يجب توعية الشباب بالدور الكبير الذي يلعبه القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد الوطني وخلق روح المغامرة فيهم وتشجيعهم على تحدي الصعاب وأن يصبحوا أصحاب أعمال خاصة بهم يعود نفعها عليهم وعلى أوطانهم.
لقد رسمت الدراسة لواضعي السياسات الطريق لإكساب الشباب المهارات اللازمة لسوق العمل عن طريق ست نقاط أوصت بها وهي تطوير ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب وتشجيعهم على إقامة مشاريعهم الخاصة من خلال حملات وطنية تنير لهم الدرب للخروج لبر الأمان بمشاريعهم مع توفير الحكومات الدعم اللازم لرواد الأعمال لتحقيق طموحاتهم بالإضافة إلى تعديل المناهج التعليمية لتصب في هذا الاتجاه وتوفير برامج العمل المؤقتة للشباب في مرحلة الدراسة التي تكسبهم الخبرة وتطور مداركهم تجاه العمل إلى جانب إنشاء برامج وطنية للتدريب المهني للشباب المؤهلين وتحسين وظائف الدعم المهني في المدارس والجامعات والتعاون مع القطاع الخاص لمساعدة الباحثين عن عمل لتأمين الوظائف الملائمة لهم.
لاشك أن تخريج دفعات من الشباب المؤهلين نظريا فقط وبعيدين عن واقع السوق سوف يزيد من نسبة أعداد الباحثين عن عمل .. حتى إذا تم تعيينهم فإنهم لن يستطيعوا أن يبدعوا وينتجوا بإتقان لأن إمكانياتهم لا تناسب وظائفهم وهو ما يؤدي إلى تبديد الموارد البشرية والمادية.
إن الواقع المعمول به في كل دول العالم المتقدم هو القيام بتدريب الطالب واعتباره استثمارا طويل الأجل في القوى العاملة لأنه سيوفر أموالا سوف ينفقها هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم وعند انخراطهم في سوق العمل ..
يجب على الدولة أن تشجع منظمات الأعمال على وجود برامج لتدريب الطلاب مهما كان مستوى وحجم العمالة بسيطا بها فتدريب طالب واحد يعد إضافة من قبل أي مصنع أو مؤسسة على ألا يقتصر التدريب على طلاب الكليات العملية أو التعليم الفني التطبيقي بل يشمل أيضا أصحاب التخصصات النظرية.. مع توعية أصحاب المصانع والمؤسسات الكبيرة بأن التدريب لن يعطل العمل بل على العكس قد يكون التدريب فرصة مناسبة لبعض المصانع التي تحتاج ليد عاملة موسمية خاصة في فصل الصيف فيمكنها أن تحقق غرضين وهما : وجود عمالة بأجر منخفض من قبل المتدربين وتدريبهم بشكل غير مباشر في الوقت نفسه.
إن التدريب يحتاج إلى ممارسة جادة على كافة المستويات ولا بد أن نوليه الاهتمام الكافي لما يحققه من فائدة على المستوى القومي إلى جانب أنه يحقق حلم الشباب ويريح بالهم ويمنحهم الثقة في أنفسهم في المستقبل بما يملكونه من خبرة ومعرفة ويسرع من وتيرة التنمية المستدامة المنشودة.
أنعم الله على كل شبابنا وأوطاننا الخليجية بالرفاهية والاستقرار وأرشد حكوماتنا لما فيه خير البلاد والعباد وبما يحقق التنمية الشاملة.

* * *
حروف جريئة
* الإحصائية الأخيرة التي صدرت من الإدارة العامة للمرور والتي تشير إلى أن إجمالي عائدات المخالفات المرورية قاربت على 39 مليون ريـال مؤشر خطير على أن السائقين لا يلتزمون بقواعد المرور خاصة أن معظمها ناتج عن زيادة السرعة المقررة .. لذلك لابد من تغليظ العقوبة أكثر من قيمة المخالفة الحالية حتى نجبر السائقين على الالتزام بقواعد السير ونتجنب وقوع حوادث لا قدر الله.

* القرار الذي أصدره رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي مؤخرا بحجب موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" لن يستطيع به كتم أصوات المحتجين .. فهناك وسائل أخرى كثيرة يمكنهم عن طريقها توصيل رسالتهم واحتجاجهم للمسئولين وللعالم.

* الأزمة التي تعرضت لها أوكرانيا كشفت ضعف الاتحاد الأوروبي وتراجع النفوذ الأميركي فكل ما يستطيعون القيام به هو فرض عقوبات ليس لها تأثير على الدب الروسي الذي بضمه للقرم قلب موازين القوى الدولية وأثبت أن بلاده في طريقها للعودة كقوة عظمى.

* التصريحات التي أطلقها غيرت فيلدرز النائب الهولندي اليميني المتطرف برغبته في طرد المغاربة من بلاده تدل على السواد الذي يملأ قلبه لكل ما هو مسلم .. ألا يعتبر هذا النائب بفعلته هذه مثل هتلر الذي قام بطرد اليهود من ألمانيا ؟.. لاشك أن هذا الـ "فيلدرز" وصمة عار في جبين الديمقراطية التي تتشدق بها دول الغرب.

* * *
مسك الختام
قال تعالى : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".


ناصر اليحمدي