[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
دون سابق إنذار وأي مقدمات، اندلعت موجة جديدة من القتال في إقليم ناجورني قرة باخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى، حيث استخدمت في القتال أسلحة ثقيلة، وراح كل من الطرفين المتنازعين يحصي خسائره ويتحدث عن إلحاقه خسائر كبيرة بخصمه.
وبعيدًا عن الخلفيات التاريخية والجغرافية والعرقية، فإن تفجير الأوضاع في ذلك الإقليم لا يبدو من قبيل المصادفة، وإنما طبيعة مجريات الأحداث وارتباط بعضها بعضًا يمكن أن تعطي استنتاجات بأن هناك من لديه مصلحة في إشعال فتيل النزاع من جديد في جنوب القوقاز في الوقت الذي تنحو فيه الولايات المتحدة وروسيا نحو مهادنة ولو ظاهرًا، وتتجه العلاقة الأميركية ـ التركية إلى فتور على خلفية ملف الأزمة السورية، حيث أخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحصد ثمار سياسته خيبات وانكسارات لمشروع إعادة إحياء العثمانية التي يعتبرها إردوغان مجدًا من أمجاد أجداده بإعادة ضم مدينة حلب السورية ومدينة الموصل العراقية، فقد بدأت رحلة النكوص على العقبين وخبو المشروع وكسر قرن العثمانية الجديدة بتجاهل المطالب التركية ـ الإردوغانية بإقامة ما يسمى "مناطق آمنة أو عازلة" و"مناطق حظر طيران"، ثم دخول الدب الروسي وغرز مخالبه وأنيابه على التنظيمات الإرهابية المدعومة من حكومة العدالة والتنمية في تركيا وأموال البترودولار، وإرغامه على إبداء عنفوانه بحماقة إسقاط المقاتلة من نوع "سوخوي 24"، وهو ما أذن ببداية الانحسار التركي الكامل عن أرض سوريا وسيادتها، وفرض معادلات جديدة بناء على وقائع الميدان ومفاعيله، وانعكاس ذلك في مؤتمري فيينا ثم قراري مجلس الأمن الدولي رقمي (2253) و(2254).
اليوم وفي ظل هذه المعادلات القائمة، وتوالي الانتصارات السورية على فلول الإرهاب وداعميه على أرض سوريا وما يستتبع ذلك من قوة موقف سوري ـ روسي، باتت أنقرة مطالبة بإغلاق الحدود مع سوريا وقفل صنبور الإرهاب الذي فتحته على سوريا بموجب قرارات مجلس الأمن الخاصة بمحاربة الإرهاب وغلق الحدود ومنع التمويل أو التعامل مع التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش والنصرة".
وعند محاولة ربط الأحداث ببعضها بعضًا، نجد أن تفجير الصراع في إقليم ناجورني قرة باخ جاء بُعيْدَ لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره التركي إردوغان، وتفيد الأنباء بأن اللقاء تضمن طلب أوباما من إردوغان غلق الحدود مع سوريا، وهو مطلب روسي ـ سوري بالأساس، ولذلك لم يتأخر الرد التركي على الطلب الأميركي/الروسي بالإيعاز إلى المرتزقة المحسوبين على حكومة العدالة والتنمية من أجل الانتقام من روسيا، ومحاولة نقل المعركة إلى عقر دارها وفي حدائقها الخلفية والأمامية، وتشتيت جهودها الموحدة والثابتة بشأن ملف الأزمة السورية من ناحية. ومن ناحية أخرى محاولة رد الاعتبار عن ما يمكن وصفه بالإهانة برفض أوباما لقاء إردوغان، حين أعلن الأخير للصحفيين أنه سيتوجه لواشنطن للمشاركة في قمة واشنطن للسلامة النووية، وسيجمعه بأوباما لقاء خاص، وقال إنه لا يعلم حجم المدة المحددة للقاء. وبُعيْدَ هذا التصريح نفى البيت الأبيض ذلك، ثم عاد وخفف من النفي وأعلن عن احتمالية أن يعقد لقاء بين الرئيسين.
من الواضح أن حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا تريد أن تؤكد لحليفها الأميركي أنها لاتزال قادرة على خلط الأوراق والتشويش بما ينسجم وخدمة السياسة الأميركية تجاه عدد من الملفات وفي مقدمتها ملف محاصرة روسيا، وتضييق الخناق عليها وتصدير الإرهاب والفوضى إلى عمقها، وأن في جعبتها الكثير يمكنها أن تواصل دورها الوظيفي في خدمة المشروع الصهيو ـ أميركي الذي أسندته إليها الإدارة الجمهورية بقيادة جورج بوش "الصغير".
وعلى الرغم من وجود رغبة أميركية في قيام ذوي الأدوار الوظيفية من أتباع الولايات المتحدة وعملائها بإحداث فوضى تستنزف بها جميع خصومها بمن فيهم روسيا، فإن الولايات المتحدة تدرك في الوقت عينه أن هذا قد يكون له ثمنه خارج الحسابات وعبئًا إضافيًّا عليها، وبالتالي تكون لعبة تفجير الأوضاع في إقليم ناجورني قرة باخ والعبث بدماء أبنائه وبدماء جنود الدولتين المتنازعين عليه (أذربيجان وأرمينيا) آخر ورقة تلعبها حكومة العدالة والتنمية ، فنفي الجيش التركي أنباء عزمه القيام بانقلاب عليها من الممكن أن يكون رسالة إنذار أميركية من قبيل "نفي الشيء ويراد ضده".