[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

”.. إذا كان الشيوعيون في الصين يتشبثون بطريقة توفيقية تسمح بتراكم رأس المال لدى الأفراد والشركات، مع عين على حفظ الاشتراكية، فان الشيوعيين الروس يمكن أن يفعلوا شيئاً مشابهاً على سبيل طرح تجربتهم كأنموذج جديد يستحق الملاحظة والرصد في عالم يعاني من اللا يقين الروحي والضياع الفكري..”
ـــــــــــــــــــــــــ
إذا كان الملايين قد توهموا، لحظة سقوط جدار برلين، أن الشيوعية قد سقطت كذلك، مع أشكالها وواجهاتها الأخرى إلى الأبد، فإن ما يجري اليوم في أروربا الشرقية بسبب أحداث أوكرانيا واضطلاع روسيا بمباشرة دور سياسي/ استراتيجي/عسكري من العيار الثقيل بجوار جدران حلف الناتو الشرقية، إنما يدل على أن الشيوعية ومشتقاتها لم تزل قادرة على البقاء وأنها كانت منذ تلك اللحظة التاريخية المذكورة أعلاه في حال من السبات، تنتظر ما يبعث بها القوة والحرارة كي تتحرك من جديد.
يبدو أن النظرية التي وضعها الفيلسوف الألماني كارل ماركس Marx ورفيقه فردريك أنجلز Angels، كما تبلورت في كتاب (رأس المال، Das Kapital) وفي (البيان الشيوعي، Communist Manifesto) إنما جهزا أنصار النظرية الاشتراكية بما يكفي من القوت والطاقة لتجاوز قرون من السبات والكساد، بين النجاحات والإخفاقات، بدليل تواصل قدرة نظريتهما على تغذية أنصارها دون كلل أو ملل حتى لحظة "إعادة دبيب الحياة"، كما تمكن الرئيس بوتين أن يفعل ذلك مع عملية ضم شبه جزيرة القرم، تلك العملية التي يمكن مباشرتها من قبل اليسار، ليس كعملية احتلال عدواني مجردة، كما يباشرها العالم الغربي والعديد من دول العالم، وإنما كعملية تحد لجبروت امبراطورية رأس المال ولدهاء وحيلة مديريها، هناك في أقصى الغرب.
لذا يمكن للمرء مراجعة ما فعله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أثناء أحداث أوكرانيا بوصفه تحديا، أولاً؛ وبوصفه، استجابة ندية لعملية شمت روسيا من تفاعلاتها إمعاناً بإرادة دفعها إلى طبقة ثانوية بين أمم الأرض (استذكر بهذه المناسبة كتاب جرجي زيدان الطريف في هذا السياق: طبقات الأمم). إن ما فعله الكرملين يشير إلى أنه كان دائم الرصد لبقاء الشيوعية وتواصل عواطف مؤيديها، حتى وإن كانوا من الطوباويين الحالمين بفردوس اشتراكي، بدليل أن العملية الخاطفة التي انتهت إلى ضم القرم لروسيا قد أماطت اللثام عن طاقات شيوعية كبيرة كامنة، كانت بانتظار ما يستفزها للحركة وللتفعيل. وهكذا لاحت البيارق الحمراء، ليس في شبه جزيرة القرم حسب، وإنما هنا وهناك عبر روسيا وأوروبا كذلك، وكأن الرئيس بوتين كان واعياً بوجود هذه الطاقات الباعثة لذبذبة الشيوعية، وإن كانت ضعيفة ومكتومة. إن مفاجأة ضم القرم التي كانت مسرحاً لحرب ضروس في القرن التاسع عشر (خدم جنود عراقيون مع القوات العثمانية في حرب القرم واشتهرت هذه الخدمة بين العراقيين بتعبير: سفر بر) تورطت بها روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية وبريطانيا، لا يمكن أن تمر دون أصداء قوية تسمع عبر جهات العالم الأربع، بدليل ارتفاع الأعلام الحاملة لرمزي المطرقة والمنجل، أي العمال والفلاحين، إثر تفاعلات الأزمة وما رافقها من تصعيد.
وإذا كان الشيوعيون في الصين يتشبثون بطريقة توفيقية تسمح بتراكم رأس المال لدى الأفراد والشركات، مع عين على حفظ الاشتراكية، فإن الشيوعيين الروس يمكن أن يفعلوا شيئاً مشابهاً على سبيل طرح تجربتهم كأنموذج جديد يستحق الملاحظة والرصد في عالم يعاني من اللا يقين الروحي والضياع الفكري وغيمية الرؤيا المستقبلية وهيمنة العولمة التي تجمعنا بأفراد من إفريقيا وآخرين من كوريا وتشيلي عبر اثير الأقمار الصناعية في "قرية كونية".
للمرء أن يخلص إلى أن الإدارات والقيادات عبر العالم الغربي تحبس أنفاسها اللحظة خشية عودة قوية للشيوعية ولنظرية رأس المال التي تباشر كل شيء جزءاً من صراع طبقي لا نهاية له إلا في فردوس طوباوي مشاعي.