[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
بمجرد سماع موسيقى الحروف المكونة لكلمة(الطاقة)، قد يتبادر للذهن بأن النضوب الجماعي للطاقة حالة اقتصادية تتعلق بالطاقة الأحفوروية التي شغلت الدنيا في الفترة الأخيرة بسبب تداعياتها التي بدأت تنعكس على حياة الناس.
غير أن مصطلح النضوب الجماعي للطاقة جاء استخدامه خلال هذا الأسبوع من منطلقات اجتماعية بحتة، وذلك في أحدث دراسة للباحث الألماني في علم الاجتماع، هارتموت روزاء صاحب كتاب (الصدى) ناشراً فيه دراسة اجتماعية بشأن علاقة الإنسان بالعالم المحيط به، موضحا وجود تزايد عالمي في عدد الأشخاص الذين ينتابهم شعور بأنهم يواجهون عالما وصفه (بالأبكم).
وأرجع هذا الشعور بالوحدة إلى ما سماه وجود مشكلة في علاقة الإنسان بالعالم الخارجي المحيط به تمثلت في أن الإنسان أصبح يتعرف على ماحوله من خلال الهواتف النقالة والكمبيوتر وغيرها من أجهزة التقنية المتطورة، محذرا من أن هذه الحالة ستؤدي في النهاية إلى نضوب جماعي للطاقة المجتمعية، ويقصد بها ضعف التواصل الاجتماعي بين أعضاء المجتمع الواحد.
في الحقيقة لقد لامس الرجل واقعا معاشا في عصرنا الحالي الذي ساد فيه استخدام تكنولوجيا الاتصال ، خصوصا عبر الهواتف الذكية وما تستوعبه من تطبيقات متطورة مثل الواتساب، والفيسبوك، والاسناب شات، والانستجرام والتويتر والبريد الالكتروني وغيرها من التطبيقات التي أدت إيجابياتها إلى تسميتها بوسائل التواصل الاجتماعي متناسين في ذلك بعض أهم وأخطر سلبياتها وتأثيرها على التواصل الاجتماعي نفسه .
ورغم الكثير من المميزات ذات المردود الاقتصادي الجيد لهذه التطبيقات، وما أحدثته من نقلة نوعية في العمليات التجارية، وتسريعها لنقل المعلومة ، بل تمكنها من تكوين منابر افتراضية بين كل من يلتقون حول مستوى فكري أو ثقافي معين، إلا أن البعض أساء استخدامها لدرجة طغت على الكثير من الالتزامات الاجتماعية حتى داخل الأسرة النووية الصغيرة.
فقد وصل الأمر لدى البعض، بأن تجمعهم جلسة أسرية، يفترض أن يعقب ويسبق تناول الطعام فيها التعاطي بالنقاش لما يستجد من موضوعات أسرية أو قضايا عامة، فضلا عن تبادل القصص وسرد أحداث المواقف اليومية التي تصادف كل فرد من الذين تجمعهم تلك الجلسة الأسرية، وهي جلسات ظلت حتى وقت قريب موكل إليها البحث عن حلول للمشكلات اليومية التي تواجه أفراد العائلة الواحدة خصوصا الأطفال، ويكون الأخذ والرد ولتعابير الوجه الدور الأكبر في الوصول إلى حلول ناجعة لها.
ولكن وبسبب سوء استخدام تطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية المحمولة، تجد سرعان ما ينصرف كافة الجالسين حول المائدة، الواحد تلو الآخر لينفرد كل منهم بهاتفه ويبدأ في الإبحار مع نفسه في تطبيقاته وفق تفضيله، متناسيا ومتجاهلاً من يجلس بجانبه، ولربما لا يعيره أي اهتمام أن تجرأ وتحدث معه. .... ومن هنا تتضح حقيقة ماذهب إليه عالم الاجتماع الألماني هارتموت روزاء في دراسته الأخيرة بشأن النضوب الجماعي للطاقة المجتمعية، حيث تعم الفردية في التعاطي بين الشخص وهاتفه فقط ، وتضعف بذلك حالات التواصل المباشر الحي بين أفراد المجتمع الصغير!.
وحتى لاتستشري هذه الحالة من الفتور وتراجع مستويات التواصل الحي بين أفراد الأسرة الواحدة ، يرى بعض الاجتماعيين ، ضرورة اتباع أولياء الأمور لضوابط اجتماعية مستحدثة ، ربما تكون أقرب إلى ضوابط المرور وغيرها ، ومثلما ممنوع استخدام الهاتف أثناء قيادة السيارات لضمان سلامة أفراد المجتمع ، فلا نستبعد أن نجد أنفسنا مضطرين إلى منع اصطحاب الهاتف النقال أثناء الجلسات الأسرية ، وذلك حفاظا على طاقة مجتمع الأسرة من النضوب ، وصونا للوشائج الاجتماعية والعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة من الانفراط والتفكك وخوفا من سيادة حياة الفردية داخل الأسرة النووية الواحدة.