[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]

”.. السؤال المطروح الآن بقوة هل يشتعل فتيل الحرب الباردة من جديد؟! كما حدث في الخمسينات وما تلاها وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي، بين أميركا ودول غرب أوروبا (حلف الأطلنطي) والاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية (حلف وارسو) حين كانت الحرب الباردة في أوجها وكان نتيجتها اشتعال الحروب والنزاعات...”
ــــــــــــــــــــــــ
يبدو أن الدب الروسي يمرض ولكنه لا يموت، وحينما يتعافى يشرع في البحث عن فريسة؛ حدث هذا أيام روسيا القيصرية التي توسعت شرقاً وغرباً وجنوباً أيام قوتها وعنفوانها، وعندما وهنت دخل الغزاة حتى اقتربوا من موسكو، وتكرر نفس الشيء عندما تحولت للاتحاد السوفييتي وضم ستالين إليه 14 دولة آسيوية وأوروبية مجاورة وأضيف إليها عقب انتصار الروس في الحرب العالمية الثانية جمهوريات البلطيق الثلاث: استونيا ولتوانيا ولاتفيا فضلاً عن دول أوروبا الشرقية التي حررها الجيش الروسي من أيدي ألمانيا النازية ولكن مع مجيء ميخائيل جورباتشوف للحكم، وانهيار سور برلين تفككت الامبراطورية الروسية واختفى الاتحاد السوفييتي وعادت موسكو لقواعدها مرة أخرى، وزاد الضعف السياسي والاقتصادي مع تولي بوريس يلتسين وظن العالم أن الدب الروسي نزعت أنيابه وأصبح مستأنساً.
حتى ظهر فلاديمير بوتين فأعاد الهيبة لروسيا من جديد وكانت البداية ضمه أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا بدعوى أنها أراضٍ روسية أهداها الزعيم السوفييتي الجورجي الأصل جوزيف ستالين لجورجيا وأخيراً ضم شبه جزيرة القرم التي أهداها الزعيم السوفييتي الأوكراني الأصل لأوكرانيا في عام 1954 ويتواجد بها المنفذ البحري الوحيد لروسيا على البحر الأسود.
والسؤال المطروح الآن بقوة هل يشتعل فتيل الحرب الباردة من جديد؟! كما حدث في الخمسينات وما تلاها وحتى سقوط الاتحاد السوفييتي، بين أميركا ودول غرب أوروبا (حلف الأطلنطي) والاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية (حلف وارسو) حين كانت الحرب الباردة في أوجها وكان نتيجتها اشتعال الحروب والنزاعات في آسيا بين الكوريين والتي انتهت بتقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى شمالية للشيوعيين وجنوبية للرأسماليين، وكذلك في فيتنام بين الشمال والجنوب ونفس الأمر بين الهند المدعومة من حلف وارسو وباكستان المدعومة من حلف الأطلنطي بسبب النزاع على كشمير ونفس الأمر انتقل إلى أميركا الجنوبية في جواتيمالا ونيكاراجوا وشيلي، ولكن ما حدث في كوبا كاد يتحول لحرب عالمية ساخنة.
ففي عام 1959 نجح فيدل كاسترو بمساعدة ثوار أميركا اللاتينية اليساريين بقيادة الثائر الأرجنتيني الشهير شي جيفارا ـ في الإطاحة بديكتاتور كوبا الموالي لأميركا باتيستا والاستيلاء على السلطة في هافانا وتأسيس جمهورية اشتراكية على بعد 90 ميلاً من شواطئ فلوريدا الأميركية، وقام بإغلاق القواعد العسكرية الأميركية وطرد المستشارين العسكريين الأميركيين، واستغل الاتحاد السوفييتي الموقف وخطب ود السلطة الجديدة في كوبا التي أعلنت عداءها للغرب واعتناقها الأفكار الاشتراكية.
قامت الدنيا ولم تقعد في واشنطن التي شعرت بالمد الشيوعي يقترب من حديقتها الخلفية، وقررت مواجهة كاسترو عن طريق جهاز المخابرات (السي آي أيه) باستخدام المرتزقة تحت مسمى المعارضة الكوبية في الخارج، وكانت عملية خليج الخنازير التي عول عليها الرئيس الأميركي آيزنهاور كثيراً للخلاص من كاسترو والشيوعية التي باتت قريبة من شواطئه، ولكن تسربت أخبار وتوقيتات العملية للجيش الثوري الكوبي واستطاع الجيش والشعب الكوبي المؤيد لكاسترو والكاره لأميركا إجهاض العملية وإفشالها، وانكشف وقوف أميركا وراءها بعد أسر 1180 من المرتزقة المشاركين في العملية واعترافهم بحصولهم على تدريب ودعم المخابرات الأميركية، وخلف الفشل صدمة حقيقية للإدارة الأميركية، التي قررت فرض حصار سياسي واقتصادي ضد كوبا ونظام فيدل كاسترو مستمر حتى الآن.
ولم يكن أمام كاسترو إلاً التحالف مع الاتحاد السوفييتي لفك الحصار الأميركي ورحب خروشوف بالحليف الكوبي، واتفق مع كاسترو على بناء قواعد سرية للصواريخ النووية متوسطة المدى في كوبا، والتي تستطيع الوصول لمعظم الأراضي الأميركية واعتبر خروشوف أن نشر الصواريخ يأتي رداً على نشر الولايات المتحدة 100 صاروخ نووي على مقربة من الحدود الروسية في إيطاليا وتركيا.
وفي 8 اكتوبر 1962 التقطت طائرة تجسس أميركية صوراً لقواعد صواريخ نووية تحت الإنشاء في كوبا، وجن جنون الأميركان وفكر جون كينيدي في مهاجمة كوبا جواً وبحراً، ولكنه تراجع خوفاً من رد فعل السوفييت ضد القواعد الأميركية في أوروبا، واكتفى بتشديد الحصار البحري والعسكري حول الجزيرة الكوبية، وطالب السوفييت بتفكيك قواعد الصواريخ، وإزالة جميع الأسلحة الهجومية.
وحبس العالم أنفاسه خوفاً من تفاقم الأزمة وتحولها لحرب عالمية نووية ثالثة، ولكن توازن القوى بين المعسكرين وحكمة كينيدي وخروشوف ووساطة سكرتير عام الأمم المتحدة يو ثانت أنهت الأزمة بالاتفاق على الإزالة المتبادلة للصواريخ والقواعد النووية من كوبا وتركيا وإنشاء خط ساخن لتسهيل وسرعة الاتصال بين موسكو وواشنطن لنزع فتيل الأزمات.