”بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، يمكن لنسخة من بيان شنغهاي تصيغها الولايات المتحدة وبلدان غربية اخرى ان تعالج مخاوف نيتنياهو من خلال السماح له وشريكه الفلسطيني محمود عباس بالإعلان عن رؤاهم التاريخية، في الوقت الذي يلتزمون فيه بهذه الحقائق: ان يوافق كل جانب بأن هناك اسرائيل واحدة وفلسطين واحدة،”
ــــــــــــــــــــــــــــ
يواجه الإسرائيليون والفلسطينيون اصعب مفاوضات بينهم منذ ان طار مناحم بيجن الى الغرب للقاء الرئيس المصري انور السادات قبل جيل من الان في كامب ديفيد. واذا كان يمكن لاسرائيل ان تنهي احتلالها الطويل، واذا كان يمكن للفلسطينيين ان يتحدوا وينبذوا العنف، واذا صار البلدان قادرين على مشاطرة العاصمة الابدية في القدس وتضميد جروح عداوتهم الطويلة، عندئذ يمكن ان تنشأ دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش في سلام مع جارها الأكثر بروزا وقوة.
للأسف، فإن العقبات الاخيرة التي يواجهها الدبلوماسيون ومن بينهم وزير الخارجية الاميركي جون كيري في ترتيب مفاوضات جديدة تشكلها او تكتنفها الشروط المسبقة. احد اكثر العراقيل هو طلب اسرائيل بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل بوصفها دولة يهودية. في حديث لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتنياهو امام رؤساء المنظمات اليهودية في القدس مؤخرا قال:" يتوقع الفلسطينيون منا الاعتراف بدولة قومية للشعب الفلسطيني. فكيف يكون عندهم الجرأة بعدم الاعتراف بالدولة اليهودية كدولة قومية للشعب اليهودي؟"
بالطبع فإن الفلسطينيين اعترفوا بدولة اسرائيل خلال المفاوضات في ظل رؤساء الوزراء اسحاق رابين وايهود باراك وايهود اولمرت، حيث اعترف فيها كل جانب بشرعية وتطلعات الآخر. فلأي غرض آخر كان رابين وياسر عرفات يتصافحان في مروج البيت الابيض؟ يدعي الفلسطينيون ان الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية ينزع عن اكثر من مليون من عرب48 انسانيتهم اضافة الى المسيحيين والاقليات الاخرى الذين يتم حصرهم بوصفهم مواطنين اسرائيليين. وربما يكون نيتنياهو قد وضع هذا المطلب لمنع العودة الى طاولة التفاوض.
لكن بالنسبة للمعنيين بالمضي قدما هناك ما يمكن تجريب تحقيقه لعله يحقق جزءا من تلك المطالب.
فليس الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني هو الصراع الاول او الاكثر استعصاء الذي تواجهه الدبلوماسية الغربية. ففي عام 1972، وقفت قضية تايوان في طريق التقارب الصيني ـ الاميركي. غير ان الرئيس نيكسون تغلب على العداوات الضخمة بين فرقاء الحرب الاهلية الصينية ـ ماوتسي تونج وشيانج كاي شيك ـ الذين تحاربا على طريق مسدود يتمثل فيمن يجب ان يحكم الصين والذين لا تزال جيوشهما يواجه بعضهم البعض عبر مضيق تايوان الضيق.
في تلك المفاوضات وكما هو الحال في الاراضي المقدسة الآن، كان هناك معركة شرسة حول التحديدات. فقد اصرت حكومة الوطن الام لماو على الاعلان ان"جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة للصين...وان تحرير تايوان شأن صيني داخلي."
غير ان الدبلوماسيين البارعين في فريق التفاوض الاميركي اقترحوا لغة لاعلان مشترك لواشنطن وبكين بات العنصر الرئيسي فيها ما نسميه بيان شنغهاي:" تقر الولايات المتحدة بأن كل الصينيين على أي جانب من مضيق تايوان ينتمون لصين واحدة."
عقب هذا الاعلان في فبراير 1972، وافق الاطراف في النهاية على تأجيل القضايا المحورية للصراع حتى يتم بدء حوار حول كيف يمكن ان يجتمعا في يوم ما، مما ادى الى فتح خطوط اتصال وتجارة واستثمار عبر المضيق، كل ذلك ادى الى ترابط الشعب الصيني معا في شبكة من التفاعل البناء. لا يزال هناك كثير من المشاكل عبر المضيق، غير ان انجاز نيكسون، الذي تم من خلال دبلوماسية مبدعة، فتح فصلا جديدا في اسيا.
بالنسبة للاسرائيليين والفلسطينيين، يمكن لنسخة من بيان شنغهاي تصيغها الولايات المتحدة وبلدان غربية اخرى ان تعالج مخاوف نيتنياهو من خلال السماح له وشريكه الفلسطيني محمود عباس بالاعلان عن رؤاهم التاريخية، في الوقت الذي يلتزمون فيه بهذه الحقائق: ان يوافق كل جانب بأن هناك اسرائيل واحدة وفلسطين واحدة، وان اسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وللعرب الاصليين فيها والمسيحيين والاقليات الاخرى الذي يتم ادراجهم واحصائهم على انهم مواطنيها، وان فلسطين هي الوطن القومي للشعب الفلسطيني بما فيهم العرب والمسيحيون وغيرهم ممن يمكن ان يصبحوا مواطنيها.
اضافة إلى ذلك، يعترف الاسرائيليون بالدولة الفلسطينية مع ادراك انه من حق مواطنيها تعريف وتحديد شخصيتهم القومية. بنفس الشكل يعترف الفلسطينيون بدولة اسرائيل وانه من حق الاسرائيليين تحديد شخصيتهم القومية. وليس على أي طرف التدخل في الشئون الداخلية للطرف الآخر في هذا الأمر.
ربما لا يوافق نيتنياهو كلية على هذه الصيغة، غير ان مهمة الدبلوماسيين المبدعين ستكون في ايجاد سبل للتعبير السياسي يستطيع كل زعيم من خلالها ان يدافع عن رؤيته التاريخية ومحددات الدوائر المحلية.
ان عبقرية اعلان شنغهاي تمثلت في انه ارجأ قضايا الحرب الملتهبة والشرعية إلى مستقبل غير محدد. في البداية نددت تايوان بالإعلان بوصفه خيانة اميركية واستسلام للصين. غير ان زعماءها توصلوا إلى الحكمة من الانخراط مع فرقائهم في الوطن في التجارة والاستثمار طالما ان الولايات المتحدة قد ضمنت امن الجزيرة عن طريق بيع اسلحة دفاعية لتايوان.
ان الارجاء هو العنصر الرئيسي لسلام الشرق الاوسط. فليعترف كل طرف بالطرف الآخر كدولة ويترك التعبير الكامل عن الشخصية الوطنية والمستقبل لمواطنيه حيث يخصهم هذا الأمر.

باتريك تيلر* صحفي ومؤلف" الجدار الكبير" تاريخ العلاقات الأميركية ـ
الصينية، و"عالم مضطرب" تاريخ الدبلوماسية الاميركية في الشرق الأوسط و"اسرائيل المحصنة".
خدمة ام سي تي خاص"الوطن"