‏[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني [/author]
هنا نحن إزاء مأزق مزدوج وذي وجهين صهيوني وأوسلوستاني. إنهما فشل الصهاينة في وأد الانتفاضة، وفشل تغريبة أوسلو الكارثية بكل ما تعنيه الكلمة وبلوغ مسخها شفا حفرة من الانهيار. وعليه، هنا يكمن القاسم المشترك الرابط ما بين الطلب الاستجدائي الأوسلوي والاستجابة الاستعلائية النتنياهوية... هذا المأزق المشترك في شقه الصهيوني خلق انقسامًا معلنًا بين المستويين العسكري الأمني والسياسي ونتنياهو ما بينهما.

لدى نتنياهو من الأسباب الإضافية ما دفعه لأن يستجيب، إعلاميًّا على الأقل، للطلب المقدَّم له عبر التلفزة الصهيونية من قبل أبو مازن لمقابلته. وعليه، كان رده غير المتأخر، وعبر وسيلة إعلام صهيونية أخرى، هي صحيفة "هآرتس"، هو التالي: "سمعت أن الرئيس أبومازن قال بأنني إذا دعوته للقاء فإنه سيأتي.. أنا أوجه الدعوة له مرةً أخرى.. سأفرغ جدول أعمالي هذا الأسبوع، وفي أي يوم يمكنه الحضور سأكون هنا".
طلب الطالب واستجابة المستجيب، وعلى هذا النحو، هو مما لا يحدث لأول مرة. منذ أمد رافق بأشكاله المتعددة العلاقة بين المحتلين والأوسلويين. هو، وبغض النظر عن المقال والمآل، بات من لزوميات تجاذباتها وفي حدود طبيعتها... الصهاينة، وانسجامًا مع استراتيجيتهم، التي لم ولن تتبدل منذ أن كان الصراع، يزاوجون بين مسيرة التهويد الحثيث والثرثرة الخادمة له حول السلام والحلول، تردفهما النظرة الاستخدامية لسلطة "أوسلوستان" في حدود توظيفهم لها كأداة أمنية لحفظ أمنهم، ووسيلة تنفع ولا تضر وينبغي الحفاظ عليها لكسب الوقت التهويدي، وحلب التنازلات منها، وصولًا إلى تصفية القضية الفلسطينية... والأوسلويون، أما ولم تعد القضية عندهم ذات بعد تحرري وطني، وبالتالي اندلقوا تنازليًّا إلى هذا الحد فوصلوا وأوصلوا القضية إلى درك لا هم قادرون ولا راغبون في العودة عنه أو يفكِّرون في الخروج من هاويته، فهم لا يملكون بديلًا عن ديدن الهروب إلى الأمام سوى المزيد منه ومن الاندلاق، والذي وصل مؤخرًا درجة الاستجداء المتلفز لمقابلة مع نتنياهو... تبقى ما هي الأسباب الإضافية وراء كلٍ من الطلب والاستجابة؟!
وهي تلج شهرها السابع، تحوَّلت الانتفاضة الشعبية الراهنة بالنسبة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال إلى طابع حياة يومية وحالة من تعايش مع واقع منتفض ومقاوم بالضرورة، إذ لا ولن تحكمه إلا معادلة واحدة، وهي ما دام هناك احتلال تكون مقارعته، وبكل الأشكال والوسائل الممكنة. إنه الأمر الذي لا يحتمله المحتلون ولا يستطيع جمهورهم المذعور التعايش معه... نعم، حتى الآن تمكنوا من تهويد غالب الجغرافيا الفلسطينية لكنما الديموغرافيا بقيت متجذرةً في ترابها الوطني وعجزوا وسيعجزون عن التخلص منها. وإذ لم يبقَ التهويد مجالًا للحديث عن موهوم دويلة "أوسلوستان" البائسة، يعترف الجيش الصهيوني ومعه المؤسسة الأمنية الاحتلالية، ومعهما "التنسيق الأمني" الأوسلوستاني، بالعجز عن إيقاف المد الانتفاضي، وتظل تجابههم حقيقة مرعبة، ما دام هناك فلسطينيون لا يخضعون يظل مصير، بل وجود، كيانهم الاستعماري الطارئ الهش قيد البحث... هنا نحن إزاء مأزق مزدوج وذي وجهين صهيوني وأوسلوستاني. إنهما فشل الصهاينة في وأد الانتفاضة، وفشل تغريبة أوسلو الكارثية بكل ما تعنيه الكلمة وبلوغ مسخها شفا حفرة من الانهيار. وعليه، هنا يكمن القاسم المشترك الرابط ما بين الطلب الاستجدائي الأوسلوي والاستجابة الاستعلائية النتنياهوية...
هذا المأزق المشترك في شقه الصهيوني خلق انقسامًا معلنًا بين المستويين العسكري الأمني والسياسي ونتنياهو ما بينهما. جنرالات الجيش والأجهزة الأمنية يضغطون على نتنياهو يريدون منه حلًا لما عجزوا عن تحقيقه، ويحذرونه من انهيار "أوسلوستان" وخسارة بركات "التنسيق الأمني" مع أجهزتها الدايتونية، أو هذه الشراكة الأمنية للأوسلويين مع الاحتلال والتي حظيت بشهادة من الجنرال ايزنكوت تقول بأنهم "يقومون بعمل جيد، ونحن راضون عن التنسيق الذي لنا معهم". أما المستوى السياسي، الذي يتسيَّد راهنًا حلبته غلاة المستعمرين، فيدفعون نتنياهو إلى ما لا حاجة لدفعه له، وهو المزيد من الخطوات التهويدية، متسلحين بالرأي العام الصهيوني المزداد تطرفًا، ومستقوين بالاستراتيجية الصهيونية الأساس المجمع عليها، والتي يستند إليها قيام كيانهم وتهتدي بها سياساتهم.
..المفارقة أن الحل المستحيل، بطرفيه وكلٌّ من موقعه ووفق رؤيته، بات الآن مطلبًا مشتركًا بين المؤسسة الأمنية الصهيونية جيشًا وأجهزةً والأوسلويين، وهنا نأتي إلى طلب أبومازن الاستجدائي في مقابلته مع الصحافية الصهيونية ايلانا دايان التي بثها التلفاز الصهيوني وأشرنا إليها بدايةً، والذي بلغ حد قوله "جربوني أسبوعًا وانسحبوا من المنطقة "أ" ولا تجتاحوها، وإذا لا أنجح تعالوا احتلوها ثانيةً، وأنا أقول لنتنياهو إذا ما بدك تعاون أمني تعال خذ السلطة"... وعندما تسأله الصحافية الصهيونية لائمةً، بل وكأنما هي تستجوبه: "أنت دائمًا تهدد وتخيف الإسرائيليين ولا تترك مفاتيح السلطة؟"، لا يجد جوابًا على سؤالها سوى تكراره للازمته "يجب أن يكون بيننا تعاون أمني.. أنا متمسِّك بالتنسيق الأمني، لأن البديل عن هذا هو الفوضى والسلاح والمتفجرات والمسلَّحون يأتون من الخارج"!!!
...أكثر منه، وفي محاولة للتدليل على نجاعة وجدوى هذا التعاون وتمسُّكه به يخبرها، أو يخبر جمهور التلفزيون الصهيوني، بما يعرفه الجنرال مردخاي المسؤول عن "التنسيق الأمني مع سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال، ومعه التفاوض الأمني المستمر ولا ينقطع بين الطرفين، وهو أن أمن السلطة "يفتش المدارس الفلسطينية ويفتش حقائب التلاميذ بحثًا عن سكاكين لمنع العمليات، وأن أجهزة الأمن الفلسطينية عثرت في مدرسة واحدة على 70 سكينًا في حقائب التلاميذ وجرَّدتهم منها"... فيأتيه سؤالها التالي: "ولكن شعبك يراك متعاونًا مع إسرائيل؟"، ويجيبها: "أنا بدي تعاون أمني مع إسرائيل ولا أخجل من ذلك"!!!
بهذه البضاعة يتوجه الطالب، عبر التلفاز الصهيوني، للقاء المستجيب، عبر صحيفة "هآرتس"... لكنما المهم، إن تم هذا اللقاء أو لم يتم، فالمستجيب يخبر الطالب سلفًا بأنه إذا أتى فكل ما في الأمر أنه سوف يناقش معه ما دعاه "حملة التحريض الفلسطينية ضد إسرائيل"!!!