[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
كشف التحذير التركي الموجه للاتحاد الأوروبي الذي جاء على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان الخميس الماضي بأن بلاده لن تطبق اتفاقها مع الاتحاد بشأن المهاجرين اذا لم يف الأخير بالتزاماته. فقد كشف هذا التحذير لوضوحه عن عمق المأساة الانسانية التي يعانيها اللاجئون بمختلف جنسياتهم، فضلا عن تعريته لهشاشة القناعات الانسانية في عالمنا المعاصر خصوصا عندما تخضع تلك القناعات للمعايرة بالمكاسب الاقتصادية والسياسية.
وكانت تركيا قد توصلت إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل نهاية العام المنصرم، يقوم على أن تعمل أنقرة على منع المهاجرين من السفر إلى اوروبا عبر بواباتها، مقابل تقديم بروكسل حوافز مالية، واخرى غير مالية بينها مبلغ ثلاثة مليارات يورو تستخدم في دعم اكثر من مليوني لاجئ سوري تستضيفهم تركيا، كما يقوم الاتحاد الاوروبي بتخفيف قيود تأشيرات دخول الأتراك إلى دول الاتحاد، فضلا عن استئناف محادثات انضمام تركيا إليه.
ورغم المنطلقات الاقتصادية والأمنية لهذا الاتفاق الاوروبي التركي، والذي يعتبر حقا من حقوقهما المشروعة بمنطق السيادة، الا انه يظل اتفاقا مثيراً للجدل، كما يعتبر التلويح بتطبيقه أو عدمه، اكثر اثارة للجدل، تلك الخطوتان لا يخرجان من كونهما معايرة مكشوفة بين مصائر الملايين من اللاجئين البشر بكفة، ومحاذير ومكاسب تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بالكفة الأخرى.
وفيما اصبحت اوروبا الساحة الجديدة التي انتقلت إليها نتائج الصراعات الدائرة في بقاع عديدة من المنطقة العربية والآسيوية والافريقية، مثل سوريا والعراق وأفغانستان والصومال، فاختلفت نتاجات تلك الصراعات على الساحة الاوروبية الجديدة وتراوحت بين نتائج اقتصادية تمثلت في الالتزامات المالية تجاه المهاجرين عبر تقديم المساعدات الايوائية والانسانية لدرجة أعدها المعارضون من جماعات اليمين المتطرف الاوروبي بأنها على حساب رفاهية شعوبهم، أو نتائج امنية سالت على اثرها دماء المدنيين الأبرياء الذين وقعوا ضحايا عمليات تم توجيه التهم في معظمها إلى مهاجرين لم يحترموا ابسط اخلاقيات الضيافة، الا ان وصول المشكلة إلى هذا الحد من المحكات الصعبة لا يعتبر مبررا كافيا للتخلي عن اللاجئين، خصوصا وانهم بشر ينبغي على من يشاركونهم الانسانية ان يتحملوا مسؤولياتهم تجاههم.
وبينما تسعى اوروبا إلى البحث عن بدائل اكثر عملية لمعالجة ما يليها من قضايا اللجوء من خلال التفكير في نظام جديد للمحاصصة قد يؤدي في النهاية الى تعديل نظام (دبلن) المتعلق بإجراءات اللجوء إلى اوروبا بنظام جديد اطلقت عليه الصحافة الاوروبية اسم (دبلن بلص)، حيث يقوم الأول اي – دبلن – على أساس ان البلد المسؤول عن التعامل مع قضية طالبي اللجوء هو محطة الوصول الأولى، وهو نظام شكل ضغطا على دول الجنوب الاوروبي كايطاليا واليونان. ولكن تظل في النهاية مشكلة اللاجئين قائمة ولم تجد طريقها الى الحل الجذري، بل ما زال اللاجئون هم الطرف الأضعف في المعادلات الاقتصادية والأقرب إلى التضحية بقضاياهم عندما تتراجع المكاسب الاقتصادية للاطراف المستقبلين لهم.
بهذا يظل المعيار الأخلاقي هو الأهم في التعامل مع هكذا قضايا، فضلا عن ان اوروبا وتركيا معا وباعتار تاريخهما السياسي هما طرفان لا يعفيهما التاريخ من المسؤليات التاريخية والسياسية للإجراءات الاستعمارية القديمة التي ما زالت تداعياتها قائمة على بناء الشخصية العربية والاسيوية والافريقية التي ما زالت تائهة في تلمس طريقها نحو العيش حياة كريمة أعاقها في الوصول اليها واقعها الاقتصادي المزري، الذي اكتسبته بحكم بدأها متأخرة في عمليات التنمية كونها كانت مستعمرات اوروبية وتركية في اهم حقب حياتها، بينما نمى الآخرون وتطوروا حتى اصبحوا قبلة جاذبة لتلك الشعوب للجوء إليهم وذلك بحكم واقعهم الاقتصادي المتطور.
وعليه ينبغي عليهما السعي جاهدين لايجاد الحلول اللازمة لتلك الشعوب المتأزمة، فيما لا ينبغي على بلدان تفريخ اللاجئين التقاعس عن البحث الجاد لحل مشكلاتها حتى لا تترك شعوبها عالة على الآخرين ليعايروا مصائرهم بالمكتسبات والمحاذير الاقتصادية.