[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
" انحرفت سيارتنا يمينا باتجاه نيابة بركة الموز التي تزخر بالكثير من المقومات والآثار والمعالم السياحية والبساتين الجميلة التي تشتهر بزراعة الموز والنخيل والحمضيات، توقفنا قليلا بجنب فلجها ( الخطمين) الذي أدرج ضمن قائمة التراث العالمي ويعد واحدا من أهم الأفلاج العمانية تصميما وغزارة مياه ومسارات متميزة، والذي تتدفق ينابيعه من قمم الجبل الأخضر وتشق ساقيته بيت الرديدة الأثري بالنيابة..."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاسعا: نيابة الجبل الأخضر.
تتبع نيابة الجبل الأخضر إداريا ولاية نزوى بمحافظة الداخلية.. وتعد هذه الولاية من أهم الولايات العمانية التي ينبغي الالتفات إليها والاهتمام بها وتهيئتها لتكون نموذجا معززا وداعما للقطاع السياحي والترويج له وتقديم عمان إلى العالم كبلد يتمتع بمقومات سياحية جاذبة ومشجعة، وذلك نظرا لما تمثله من مكانة تاريخية باعتبارها عاصمةلعمان على مدى قرون من الزمن وعلى فترات تاريخية تنقطع أحيانا وتتصل في أحيان أخرى وما تزخر به من معالم تاريخية وآثار عمرانية وأحياء سكنية قديمة ومناطق أثرية لا تزال تحكي عن أمجاد الماضي وحضارة العمانيين وتعبر عن تميز الآباء وإتقانهم وإبداعهم في مختلف الفنون والمجالات، وما زالت الكثير من الآثار إما أنها مفقودة أو مطمورة وتحتاج إلى الكثير من العمل والبحث والكشف والدراسة لكي تقدم إجابات على العديد من الأسئلة المفصلية عن تاريخ عمان وحضارتها ومخطوطات ومؤلفات علمائها الأجلاء، هذا فضلا عن الأفلاج التي تروي الحقول وتشكل إرثا حضاريا فريدا تمتاز به عمان والمواقع السياحية الطبيعية التي تشكل كذلك تنوعا حقيقيا في مختلف المجالات بما في ذلك التباين في درجات الحرارة كما في حالة نيابة الجبل الأخضر الذي صادفت زيارتنا له في الوقت الذي تحتفل فيه السلطنة بنزوى عاصمة للثقافة العربية...انحرفت سيارتنا يمينا باتجاه نيابة بركة الموز التي تزخر بالكثير من المقومات والآثار والمعالم السياحية والبساتين الجميلة التي تشتهر بزراعة الموز والنخيل والحمضيات، توقفنا قليلا بجنب فلجها ( الخطمين) الذي أدرج ضمن قائمة التراث العالمي ويعد واحدا من أهم الأفلاج العمانية تصميما وغزارة مياه ومسارات متميزة، والذي تتدفق ينابيعه من قمم الجبل الأخضر وتشق ساقيته بيت الرديدة الأثري بالنيابة والذي بناه الإمام سلطان بن سيف اليعربي ويعد واحدا من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية والمعمارية وتحفة فنية تبرز الوجه الحضاري للشخصية العمانية وتؤكد على الحياة المزدهرة في مختلف المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعيشها عمان إبان دولة الامامة، وفي موقع ما من الساقية وبعد عبوره لمسجد ( اليعاربة)، ينقسم الفلج إلى ثلاث مسارات يأخذ كل مسار ما يعادل نصيب الثلث بطريقة عبقرية تنم عن هندسة بارعة وآلية ما تزال تحير كل من يشاهد مياه الفلج المتدفق بغزارة وهي تنقسم في جريانها إلى ثلاثة أقسام تتساوى في نسب التدفق باتجاه كل مجرى متفرع عن الساقية الرئيسية، وذلك بدون تدخل بشري مباشر أو صيغة واضحة تشرح للمتابع كيفية حدوث ذلك خارج إطار العقل والإبداع والهندسة المتقنة والقائمة على التصميم والموائمة بين التقسيمات الثلاثة من جهة والساقية الرئيسية من جهة أخرى من حيث عملية الربط والانحدار ومستوى التوازن بما لا يغلب مجرى منها على آخر. عير واديالمعيدن انطلقت سيارتنا باتجاه المدخل الرئيسي إلى قمم الجبل الأخضر وقراه في طريق معبد صرفت عليه أموال كثيرة دون شك، ولكنه شاق ومخيف،شديد الانحدار حاد الارتفاع تكتنفه الكثير من المخاطر خاصة فيما لو تعرضت السيارة لأي عطل... ولا يمكن لأي سيارة أن تسلكه إلا إن كانت من ذوات الدفع الرباعي. وكنا نتساءل ونتحاور فيما بيننا نحن رفقاء الرحلة، هل سبق انشاء هذا المشروع دراسات معمقة وهل طرحت خيارات متعددة وهل تم التعامل مع تلك الانحرافات الحادة ووصلات الصعود الطويلة والشاقة بأقصى ما يحتاجه المشروع من حرفية واتقان؟ أي بما تتطلبه من تقليص وتمهيد وتجزئة وتوسعة من اجل ان يصبح شارعا سياحيا يشجع العائلات والسياح على زيارة الجبل الاخضر ويسهل استخدامه لجميع السيارات ويقلل من مخاطر الطريق ومشاقه العديدة... بلمسة زر تهدف إلى استكشاف حركة ونوعية الهواء الخارجي وسخونته أو برودته، انفتحت نوافذ السيارة تدريجيا فلم نصدق أن تلك النسمات العليلة الباردة التي تجري في أجسادنا فتلامس شغاف القلوب وتتجاوب معها المشاعر والأحاسيس نستمتع بها هنا في عمان وفي واحد من أشهر الصيف الساخنة، وأن درجة الحرارة تتراجع تدريجيا لتصل إلى السادسة والعشرين وقد كانت قبل دقائق معدودة تتجاوز الأربعين في نيابة بركة الموز. بعد أن مررنا على عدد من القرى السياحية الجميلة التي تتدلى من أغصانها ثمار الرمان والجوز والمشمش وصلنا اخير إلى سيح قطنة الذي يشهد نموا عمرانيا وحركة تجارية وسياحية مشهودة تتمثل في عدد من المشاريع والمباني الحكومية والفنادق وعمليات التجميل والتشجير... عرجنا إلى مركز النيابة قرية ( سيق ) التي تحيط بها المخططات السكنية الحديثة والمساكن العصرية الجميلة لتتلاقى وتتمازج مع المعالم والمنازل والأحياء القديمة التي توشك على الاندثار ويهجرها أصحابها ليستبدلوها بالبيوت الجديدة، وهي والله من أهم المخاطر التي تهدد القرى العمانية بكل ما تمتلكه من قيمة سياحية وتاريخية وحضارية وجمالية واقتصادية وما تحتويه من أفلاج ومعالم أثرية وبساتين وأحياء قديمة وعلينا جميعا العمل لدرء هذا الخطر المحدق والمدمر. تعتمد قرية سيق في ري بساتينها - التي يقع بعضها على منحدرات جبلية اكتست باللون الأخضر لكي تضيف إلى الطبيعة الخلابة والمتنوعة جمالا أخاذا آخر لا تمل العين من الاستمتاع بمشهده الذي يملأ النفس بهجة وسعادة– على فلجي ( العزيز والقتم ) ومن معالمها الأثرية حارتان(الحضف) و (البلاد)وبهاآثار مثل بيت الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملقب "بقيدالأرض".... ( وادي بني حبيب) كانت وجهتنا الثانية وهي قرية جميلة للغاية لانبساطها على سهل مرتفع واطلالتها على واديها الأخضر البديع الذي تتناثر على جانبيه الأشجار المثمرة المتدلية من أغصانها الهابطة التي تكاد تلامس سطح الوادي، ومن بين تلك الأشجار الوارفة تطل عشرات المباني القديمة التي تحولت إلى أطلال تبعث في النفس الأسى والشجن. قرى العين – الشريجة – حيل اليمن – المناخر وغيرها الكثير تتناثر في قمم الجبل تلتحف الغمام وتدهش السائح بمدرجاتها الخضراء وقمم نخيلها الباسقة وكهوفها الواسعة وأبراجها التي ما تزال تراقب كل حركة تحيط بالمكان بأعين مفتوحة تحيط بأسوارها الشاهقة، بعضها تطل علينا من عل ونحن في قرية أدنى منها وأخرى نرقبها من واحة تطاول السحاب وهي في منحدر جبل أسفل منا. كيف بنى العمانيون هذه القرى ؟ ما هي الأدوات والوسائل التي استخدموها لتطويع الجبال والصخور والأودية؟ فاستصلحوا الأرض وأجروا الأفلاج وأقاموا المنازل والمساجد وشيدوا ابراج الحراسة... ؟ كيف اختاروا المكان وما هي الأسس والمعايير التي اعتمدوا عليها في ذلك؟ وكم من العقود مرت عليهم منذ أن نزلوا هنا في الجبل الأخضر؟ كيف كانت تنقلاتهم من منطقة إلى أخرى ؟ أسئلة عديدة لا إجابة عليها إلا في عزائم وقوة أولئك المؤسسين من العمانيين وبراعتهم وتفوقهم وحبهم للحياة وقدرتهم على تطويع الجبال والتضاريس الحادة لتأسيس مناطق صالحة لاقامة الإنسان وتهيئة معيشة كريمة ومزدهرة... يبلغ ارتفاع الجبل الأخضر 3000 متر ما أضاف عليه مناخا فريدا من نوعه في منطقة الخليج العربي حيث يتميز بإعتدال في درجات الحرارة صيفا وبالبرودة الشديدة في فصل الشتاءً، ويعد واحدا من أهم سلاسل جبال الحجر، ويشتهر بتنوع منتجاته الزراعية من زهو ربرية ورمان ذاعت شهرته وخوخ ومشمش ولوز وجوز وعنب وتين وزهور برية يعد الورد من أهمها، وهي أشجار لا تصلح زراعتها في أي مكان في الخليج العربي عداالجبل الأخضر نتيجة للطقس المتميز. يعد الجبل الأخضر واحدا من أهم الوجهات السياحبة ويحتاج إلى العديد من الخدمات السياحية والترفيهية ووسائل النقل التي تيسر وتشجع السياح للوصول إليه والاستمتاع بأجوائه الجميلة ومناظره الفريدة والاقامة لأيام في فنادقه خاصة بالنسبة للأسر الذين سيقبلون بكثافة وبشكل متكرر متى ما توفرت المجمعات التجارية وألعاب الأطفال والحدائق...