[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
كنا نعتقد أن الأنظمة العربية سوف تأتي إلى القمة العربية بمواقف وتوجهات جديدة من قضايا مثيرة للجدل، وذلك على اعتبار أنها قد اختبرت مواقفها السابقة وانضجتها الأحداث رغم قصر مدتها الزمنية، وعرفت من خلالها فرص نجاحها من عدمه في ظل انشغالات العالم المتقدم بالأزمة الأوكرانية، وهذه الأزمة كانت كفيلة بإحداث مرونة في المواقف، لكننا تفاجأنا بالعكس، وهو تشديد المتشدد في المواقف وحمل دول أخرى على التشديد، فأين الحكمة السياسية لأنظمة تملك التجربة ومرت بأحداث يفترض أنها قد شكلت وعيها السياسي الرفيع.
وقد كشفت القمة ان قطر ليست الوحيدة الرافضة إدراج جماعة الاخوان المسلمين ضمن الجماعات والمنظمات الارهابية، ولا وقف علاقاتها معها، وإنما ظهر هناك اربع دول أخرى عبرت في القمة عن رفضها الصريح، وهي تونس وليبيا الجزائر والسودان، وهذه مسألة ما كان لنظامنا العربي العمل على تكريسها وإظهارها للسطح، عبر عدم إثارة هذه القضية نفسها بالصيغة نفسها التي طرحت قبل القمة، وكشفت بالتالي عن حجم وماهية المؤيدين والمعارضين لإلصاق صفة الارهاب بجماعة الاخوان، فهل كانت الدول صاحبة الفكرة تتوقع تغيير المواقف في القمة؟ وما هي ضماناتها ؟ بمعنى هل عملت على تأمين الموافقة قبل القمة، في هذه الحالة يمكن قبول إثارة القضية بالكيفية التي طرحت في الاجتماع الوزاري قبل يوم واحد من انعقاد القمة، والا كان يفترض عدم التخصيص، ودفع النظام العربي ـ إذا كان لا يزال قائما ـ إلى استصدار تشريع عربي ملزم يجرم الأفعال والأفكار الإرهابية دون التخصيص، يمكن ان تنطبق على كل شخص أو كيان مدان بدلا من استهداف جماعة لها امتداد وعمق عالمي، كما أن هناك اختلافا في عالمنا العربي على مستوى الشعوب من اعتبار جماعة الاخوان ارهابية وفق ما جرى في مصر، سواء اتفقنا معها أم لا، نحن هنا نستجلي الخلفيات للتأكيد على أن القمة العربية كان ينبغي لها أن ترتفع في ادارتها للقضايا المثيرة بذكاء لحمل الكل على الاتفاق على قضية متفق عليها اصلا، وهي محاربة الارهاب،، التحتي والفوقي،، فالإرهاب قد تمارسه الأنظمة على شعوبها خاصة المختلفة معها وليس بالضرورة ان يكون حصريا من الافراد والجماعات، من هنا لم يكن الارهاب بهذا المفهوم الشامل مستهدفا من قبل الانظمة، إنما جل همها حماية نفسها فقط من أجل ضمانة استمرارها في الحكم بعد ما أصبح البعض منها مستهدفا من قبل افراد وجماعات بسبب مواقفها السياسية التدخلية في شئون دول أخرى، تمكنت من خلالها قلب اوضاعها، ومن الطبيعي في الحالة هذه أن تكون هناك عداء مع المتضررين، فهل ينبغي أن تدخل بقية الدول العربية في عداء مع المتضررين، وهي لم تنهج نفس سياسة التدخل في شئونهم؟ وهذا كله يدعم رأينا سالف الذكر، كما كشفت القمة عن استعداد الانظمة المتخاصمة الذهاب بخصوماتهم لأطول مدة زمنية ممكنة، رافضة التسامح أو تقديم اية مرونة لمصلحة الكل، فقد رفضت القاهرة المصالحة مع قطر رغم انها طلبت استضافة القمة العربية المقبلة، فهل ينبغي عقد قمة عربية في دولة ترفض المصالحة؟ فكيف ستجتمع الانظمة العربية المتخاصمة في دولة طرف رئيسي في الخصام أم ستكون قمة عربية للدول المتوافقة والمتناغمة في مواقفها فقط؟ هذه اشكالية لسنا ندري كيف مررت على الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة؟ فهل ستمرر كذلك على القمة اليوم؟ حجة القاهرة في عدم المصالحة ما اسمته بجرحها العميق، وإذا افترضنا ذلك، وسلمنا بهذه الفرضية، فإنه كان من القوة السياسية قبول المصالحة رغم الجرح، لأن فوائدها ستكون افضل من الارتهان لتداعيات الجرح العميق، والارتهان له، والبكاء فوق اطلاله سيؤخر التطورات الايجابية وسيزيد من السلبيات عمقا واتساعا وأكثر تعقيدا، والاوضاع في مصر في أمس الحاجة اليوم قبل غد إلى كسب المزيد من الأصدقاء والتصالح معهم لبدء صفحة جديدة من المصالحة الداخلية والخارجية، بل إن وطننا العربي هو نفسه بحاجة إلى مصر المتصالحة مع ذاتها الداخلية وامتدادها العربي، وكنا نعتقد ان قمة الكويت سوف تنجح في تدشين هذه المرحلة من خلال تسمية القمة العربية بقمة التضامن نحو مستقبل أفضل، غير انها تسير نحو مزيد من الانقسام البنيوي في النظام العربي، وكأن الانظمة العربية لم تستفد من احداث (الربيع العربي) ولا من أحداث الزلازل الاقليمية الحديثة ولا من مؤشرات مرحلة التبدلات والمتغيرات الكونية، لن يتمكن النظام العربي من الحفاظ على وحداته السياسية المبعثرة والمتجزئة في ظل استمرار حالة العداء الراهنة، وكل عالمنا العربي يتطلع من القاهرة أن تكون فوق الجراح، لأنها تدرك حاجتها للم الشمل العربي، وحاجة العرب لأم الدنيا، فلماذا إذن، فشلت قمة الكويت في تحقيق المصالحة المنشودة؟ كلنا نراقب الاحداث قبل القمة العربية، ووجدنا في بيان مجلس الوزراء القطري ما قد يفتح افقا نحو المصالحة مع مصر كتمهيد لمصالحة مماثلة وتبعية مع الرياض وأبوظبي والمنامة، فالبيان أكد حرص الدوحة على استقرار وأمن مصر، فهل هناك من فتح حوار مع الدوحة لمعرفة كيف تنظر لتحقيق هذا الأمن والاستقرار في ظل اتهام تلك الدول الخليجية الثلاث بالتدخل في الشئون الداخلية المصرية عبر اتهامها بدعم جماعة الاخوان المسلمين؟ كان بالإمكان تقريب وجهات النظر المختلفة في ظل حقيقة أن طرفي الخصام في الخليج يتهم بعضهما البعض بالتدخل في الشأن المصري، فالدوحة متهمة بدعم الإخوان، بينما الدول الخليجية الثلاث متهمة بدعم النظام القائم، اتهامان متبادلان، والحل ترك القاهرة دون تدخلات خليجية خليجية، وقيام الخليج بتوظيف علاقاته المتباينة مع طرفي الصراع في مصر لحل مشاكله السياسية الداخلية، فالرياض ومعها ابوظبي والكويت قادرة على حمل القاهرة إلى اقناعها على ابداء مرونة ضرورية في مواقفها المتشددة من المصالحة الداخلية بحكم دعمها المالي والمعنوي اي الرياض وابوظبي والكويت لمصر، و(12) مليار دولار خير مثال على ذلك، والدوحة قادرة في المقابل على حمل الاخوان المسلمين على الانفتاح الإيجابي مع حلول ممكنة، دون الإغراق في تهمة التدخلات من جانب واحد، لو غرقنا فيها، فسوف نجد طرفي النزاع في الخليج متهمين بالتدخل في الشئون الداخلية لمصر مهما كانت مشروعية تبريرات كل طرف.
ويبدو أن الرئاسة الكويتية تواجه مواقف مستحيلة الاختراق، فوجدت نفسها تلجأ الى سياسة التوافق واستبعاد القضايا الخلافية عن القمة، وهذا يعني خروج القمة عن هدفها الرئيسي المعلن وهو التضامن العربي، لذلك، سوف نجد البيان الختامي للقمة اليوم فضفاضا ومتناقضا مع الواقع نفسه، فلو أخذنا قضية مكافحة الارهاب، فسوف نرى أن القرار سوف يؤكد على مكافحة الارهاب واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه الفكرية والمالية، ويدعو الاعضاء في جامعة الدول العربية الى توقيع عقوبات على من يقوم بتقديم وجمع أموال لصالح اشخاص أو كيانات تستخدمها في ارتكاب اعمال ارهابية أو المشاركة فيها، فكيف سيتم فرض العقوبات، وهناك اختلاف جوهري بين بعض الدول الاعضاء على تعريف الارهاب واختلاف سياسي كبير على ادراج بعض المؤسسات والجماعات ضمن الارهابيين؟ وسوف يبدو هذا القرار في حالة اعتماده من القادة فوق الواقع وفوق تطبيقاته، مما سوف يبدو بمثابة خطوة طوباوية، ستظل محلقة في السماء السابعة، والطوباوية نفسها سوف نجدها في حالة تمرير المحكمة العربية لحقوق الانسان دون الأخذ بملاحظات الدول المتحفظة بما فيها السلطنة، فإي محكمة سوف تدافع عن حقوق وحريات المواطن الخليجي في ظل الخلافات الخليجية الخليجية، والخليجية العربية، وفي ظل الدماء التي تسقط في شوارع عواصم دول عربية، وربما يكون الهدف الباطني من المحكمة هو حماية الأنظمة نفسها من شعوبها .. فكيف سيكون هيكل هذه المحكمة؟ وكيف سيتم اختيار قضاتها؟ وأي مرجعية تشريعية سوف تعتمدها؟ وكيف سيتم تعريف الجريمة الانسانية؟ ..الخ تساؤلات كثيرة سوف تطرح لو تم اقرار المحكمة في قمة الكويت مساء اليوم.