قبل أن تعادل الوافدة المواطنين
أعلن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات مؤخرا عن ان عدد سكان السلطنة بلغ بنهاية مارس الماضي 4 ملايين و397 الفا و790 نسمة بارتفاع نسبته 0.4% عن شهر فبراير 2016 ، بينهم مليونان و408 آلاف و542 عمانيا بنسبة 55% من عدد السكان الاجمالي، فيما بلغ عددالوافدين مليونا و989 ألفا و248 وافدا بزيادة اثني عشر الفا و113 وافدا عن شهر فبراير 2016، و160 الفا و105 وافدين عن شهر مارس من العام الماضي، حيث بلغت نسبتهم 45% من اجمالي عدد سكان السلطنة، وإذا كان ذلك يعد مؤشرا جيدا في جزئه الاول فإن الجزء الثاني منه المتعلق بتزايد الوافدين مؤشر خطير فما يفصل بين الجزئين سوى ١٠٪‏ فقط ، في الوقت الذي كان التوجه فيه ان لا يتعدى حجم القوى العاملة الوافدة ٣٣٪‏ من عدد السكان وان لا يتعدى عدد الوافدين على ما اعتقد بصفة عامة حاجز الـ ٣٨٪‏ ، فلماذا هذه الزيادة المستمرة في الوافدة ؟ وهل البلد فعلا بحاجة ماسة الى كل هذه الأعداد في القطاعين العام والخاص هم وعائلاتهم ؟ وهل الجنسية التي تشكل الأكثرية في نسبة ٤٥٪‏ الحالية ذات اثر إيجابي على تنشيط الحراك التجاري والاقتصادي بالبلد ؟ ام انها تشكل استنزافا للسيولة النقدية من خلال مجموع التحويلات الخارجية المستمرة ؟ وما مدى الأثر السلبي للتزايد المستمر لاستقدام القوى العاملة الوافدة على الخطط والتوجهات التي تتبعها منذ فترة عدد من المؤسسات سواء في مجال التعمين والتشغيل للقوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص او تشجيعهم على انشاء وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ؟ لتكون احد اهم المرتكزات التي يرتكز عليها الاقتصاد الوطني خلال المرحلة المقبلة في ظل التقلبات التي تشهدها صناعة النفط في العالم والتي تعتمد عليها العديد من الدول كمصدر أساسي للدخل .
فإذا سلمنا جدلا بان الزيادة في الوافدة نتيجة حاجة البلد اليها لمتطلبات مشاريع البنية الاساسية من العمال ، فهل المشاريع التي تنفذ حاليا بحجم هذه الأعداد ؟ ام ان هناك مبالغة في الاستقدام من قبل البعض ليس لهذه المشروعات وإنما لملء تلك الأماكن الشاغرة من المحال التجارية التي لايخلو منها اي مبنى تجاري مستحدث؟ بدليل ان هناك طلبا متزايدا على هذا النوع من المحال فحجزها حتى احيانا يتم حتى قبل ان ينتهي المبنى، فهل ذلك دليل على ان هناك نموا تجاريا متصاعدا، ام ان المسألة عبارة عن جواز مرور لعملية الاستقدام ومن ثم تجد غالبية تلك القوى العاملة على القوارب المستأجرة من قبل ابو مريم او غيره ممن تلجأ اليهم القوى العاملة الوافدة الهاربة والمسرحة او في المزارع والحقول؟ وبالتالي يشكل ذلك جهدا مضاعفا للجهة المعنية بالتفتيش ومراقبة تطبيق احكام قانون العمل والقرارات الوزارية المنفذة له ،فضلا عن الاحتياج المستمر للمفتشين لكي يواكب زيادة مؤشر الوافدة اذا مااستمر صعودا دونما توقف حيث كنّا قبل١٥ عاما ٥٠٠ الف وافد وها نحن الان نقف على حاجز المليونين اي بمعدل ٥٠٠ الف وافد في كل خمسة أعوام ، فعلى المجتمع في المقام الاول وليس الجهات المعنية ان يعي الى أين نحن سائرون ،حيث ان المبلغ البسيط الذي يحصل عليه لن يغني، فيما بعد عندما تقلب المعادلة ونصبح نحن الأقلية في الوطن كما حصل ويحصل حاليا في عدد من المجتمعات البشرية .
ان التركيز على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كأحد الحلول للقضاء على زيادة القوى العاملة الوافدة والتي تتركز في ما يسمى بالتجارة المستترة شي جيد الا انه لايزال جانب مساعد في تحقيق هذه الزيادة فهو عبارة عن حل لمشكلة مواطن باحث عن عمل الا انه اول ما يقدم عليه هو طرق الأبواب للحصول على القوى العاملة الوافدة وليست الوطنية ، هذا اذا كان جادا في ممارسة العمل حيث ان البعض يستفيد من التعويض ويختفي والبعض الاخر متعثرا وغيره متأرجحا نتيجة الافتقار للخبرة في ادارة مثل هذه المشاريع وعدم اكتمال النضج المهاري وتوفر الحس التجاري ،فالمشروع على ما اعتقد كان علاجا تسكينيا لمرحلة كتلك التي بدأ بها برنامج سند والذي بعد سنوات من الصرف والانفاق عليه كانت له بعض الايجابيات الا انه غلب عليه عدم التوفيق في الكثير من التوجهات والمسارات ،لا نشك في ان هناك جدية لدى الجهات المعنية نحو التغيير في المؤشر الا ان ذلك لن يكون بالحلول التسكينية وإنما البحث عن علاج فعال ودائم ، وذلك بطبيعة الحال يتطلب القليل من التضحية ، فلماذا على سبيل المثال لا نسرع في تطبيق النظام الجديد للتقاعد فلو خرج من الحكومة على الأقل ٢٠ او ٣٠ الفا ومن هؤلاء ١٥ ألفا ووجهوا كمجموعات وبدعم مادي لفتح مؤسسات صغيرة ومتوسطة ، خاصة في ظل التحول التدريجي الذي تشهده البلاد الى الحكومة الالكترونية وتقليص الاعمال اليدوية وما ينتج عن ذلك وجود مهارات وخبرات معطلة ان تكون تلك المؤسسات في مختلف المجالات والانشطة التي تُمارس حاليا من قبل القوى العاملة الوافدة بشكلها الفردي او الجماعي في كافة ربوع السلطنة ، سواء عبر إقامة مراكز تجارية ، او ورش وصناعات وشركات مقاولات بأدوات حديثة وان تستقب تلك الخبرات باحثين عمل من تلك المحافظات او الولايات أكان ذلك من خلال شراكة في المشروع او العمل بأجر ووضع لها نظام عمل واجور مجزية .
وعلى الجانب الآخر لماذا حتى لا يتم اعادة النظر في قطاع المقاولات او الإنشاءات الذي يساهم بشكل كبير في ارتفاع مؤشرالوافدة وذلك من خلال توجيهه او إلزامه لو تطلب الامر باستخدام التقنية في عملية البناء ، بدلا من الاعمال اليدوية التقليدية التي تعتمد في اغلب الأحيان على طابور من العمال لنقل المعدات او مواد البناء كان بالإمكان تقليص ذلك الطابور الى الربع بالتقنية وبالتالي ينعكس على المؤشر العام ومن ثم تحقيق النسبة المرجوة والابتعاد التدريجي عن معادلة الوافدين للمواطنين فضلا عن وضع نسب محددة لكل جنسية يجب ان لا تتعداها درءً لاي خطر يمكن ان يتسبب في تغيير الهوية الثقافية والاجتماعية بالاضافة الى الحفاظ على امن وامان المجتمع.

طالب بن سيف الضباري
[email protected]