[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” أقرأ هذه الأيام ستة كتب شديدة الإختلاف من حيث مؤلفيها ومناهج تحليلهم وإنتماءاتهم الفكرية لكنها تتفق جميعا في تعميق البحث حول معضلات العصر وتقلبات التاريخ فإذا بي أجد نفسي وأنا أقرأها أشد اطلاعا على أسباب المصائب التي أبتلي بها العرب والمسلمون وأكثر إلماما بحقائق خفيت علي وعلى كل من يكتفي بالعابر من الملاحظات التويترية والسطحي من المواقف الفاسبوكية.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد الله على أنه قيض لي بعض الساعات لأنعزل في ركن من أركان البيت أقرأ كتبا جديدة باللغتين العربية والفرنسية إقتنيتها هنا وهناك ولم أفتحها إلا عندما أغلق الهواتف الذكية (واستعمل الهواتف الغبية!) وأغلق الأيباد والحاسوب والتلفزيون وأمارس هوايتي القديمة في تلمس أوراق الكتاب ومطالعته بشغف وأجد بين دفتيه المعرفة والمتعة وهو أداة الفكر الوحيدة التي تجعلك تفكر بهدوء في عالم ازدحمت فيه أدوات الاتصال السريعة الأنية التي تتلاعب بعقلك
وتخرب ذبذباتها خلايا مخك وتقتل فيك ملكة التفكير بالرغم عنك. أقرأ هذه الأيام ستة كتب شديدة الاختلاف من حيث مؤلفيها ومناهج تحليلهم وانتماءاتهم الفكرية لكنها تتفق جميعا في تعميق البحث حول معضلات العصر وتقلبات التاريخ فإذا بي أجد نفسي وأنا أقرأها أشد اطلاعا على أسباب المصائب التي ابتلي بها العرب والمسلمون وأكثر إلماما بحقائق خفيت علي وعلى كل من يكتفي بالعابر من الملاحظات التويترية والسطحي من المواقف الفاسبوكية. الكتاب الأول من تأليف المؤرخ الفرنسي (مارك فيرو) وهو بعنوان (العمى: نحو تاريخ مختلف لعالمنا) نشر مؤسسة (تالندييه) للنشر وفيه تقديم لنظرية هذا المؤرخ الشهير التي تقول بأن الزعماء يصابون بنوع من العمى حين ينتصرون مؤقتا فيضلون ويعمون شعوبهم و لا يرون حقيقة الأحداث ولا يفقهون مجرى التاريخ فيقعون في مطبات كبرى تتحول بالنسبة لشعوبهم الى كوارث أليمة وأزمات حادة وحروب عاصفة. ويحلل المؤرخ عمى هتلر و ستالين وموسوليني وأمبراطور اليابان حين لم يتصوروا أنهم يأخذون قرارات خاطئة أثناء الحرب العالمية الثانية كما يحلل عمى زعماء الغرب في التعاطي مع الأزمات العربية منذ استقلال الشعوب العربية إلى ميلاد القاعدة وداعش و استفحال القضية الفلسطينية بدون رؤية حق أو قانون. الكتاب الجديد الثاني هو للزميل الجامعي الفرنسي (جيل كيبيل) بعنوان (الرعب في فرنسا) إصدار مؤسسة (غاليمار) وهو يروي قصة الهجومات الإرهابية على أهداف مدنية في باريس يوم 13 نوفمبر 2015 وقبلها على مجلة (شارلي هبدو) في يناير من السنة ذاتها. ويحاول هذا الجامعي المتخصص فك شفرات ما سماه (الجهادية الفرنسية) بالرجوع الى رحمها الأول أي المجتمع الفرنسي والأوروبي عموما وهو مجتمع لم يوفق في دمج أقلية من الشباب العربي المسلم المولود في صلبه و الذي تخرج من مؤسساته التعليمية فعدد الفرنسيين الملتحقين بالجهاد يبلغ أكثر من الألف قتل منهم 150 ولا تزال أوروبا مهددة باعتداءات قادمة كما تبين من تفجيرات مطار ومترو بروكسل العاصمة السياسية للاتحاد الأوروبي.
الكتاب الثالث هو (الحرب الصليبية الثانية: حرب الغرب المستعرة ضد الإسلام) تأليف المفكر الأميركي John Feffer ومترجمه للعربية هو محمد هيثم نشواتي إصدار منتدى العلاقات العربية والدولية بقطر (مع العلم أني لم أسمع بهذا المنتدى من قبل و يبدو أنه تابع للقرية الثقافية كاتارا ولكني أبارك أعماله) يأتي الكتاب على وجوه الشبه في العمق بين الحملات الصليبية الأولى وهذه الحملات الجديدة التي تختلف أدواتها وأهدافها كما يحلل مصادر المشاعر الغربية المعادية للإسلام التي تجسدت في الهجمات الصليبية منذ عام 1095 تاريخ انطلاق جحافل الصليبيين من أوروبا إلى بيت المقدس إلى اليوم تحت شعار مقاومة الإرهاب. رغم ضعف الترجمة العربية وافتقاد الكتاب لأي تعريف بالمؤلف يبقى وثيقة تاريخية يحسن الإطلاع عليها. الكتاب الرابع هو بالفرنسية بعنوان (نهاية الغرب: أميركا وأوروبا والشرق الأوسط) تأليف المحلل السياسي الفرنسي francois heisbourgوهو عمل أكاديمي يدين سياسات المحافظين الجدد الذين زيفوا تاريخ العلاقات الإسلامية الغربية وحددوا أهدافا للحكومة الأميركية وحلف الناتو في قلب العالم الإسلامي لضربها من أجل ما اعتقدوه حماية مصالح الغرب ويدعو الكاتب أوروبا لسن سياسات سلمية حكيمة مرجعها القانون الدولي وحقوق المسلمين لتجنب حروب دموية قادمة. الكتاب الخامس بالفرنسية أيضا تأليف Richard Flecher بعنوان (الصليب و الهلال) يؤرخ للعلاقات القديمة المعقدة بين الديانتين حيث كات إعتقاد أغلب المسيحيين منذ فجر الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا عدو للمسيحية ومتمرد على منظومة الوثنية. ويؤكد المؤلف أن الإسلام انفرد في عصوره الذهبية بالعلوم والإبتكار والتسامح و نشر دعوته مقابل مسيحية تجزأت إلى ملل ونحل متناسلة. يستعرض الباحث تاريخ بداية التوسع الإسلامي في مواجهة العالم المسيحي وما تبعه من فتوحات ثم من حروب صليبية ثم من استعمار وصولا الى عصرنا الحديث الذي عمق الخلافات و نشأت فيه حركات التحرر الإسلامي و البحث عن توحيد الأمة. الكتاب السادس الذي جعلته قريبا مني أنهل منه كلما تعبت من الجدية الأكاديمية للكتب الأخرى هو كتاب بالعربية من تأليف أستاذي طيب الذكر رحمة الله عليه مالك بن نبي المفكر والطبيب الجزائري الذي لم يأخذ حظه من التعريف به ودراسته وتدريسه لا في حياته ولا بعد وفاته. فهو الذي تتلمذنا عليه في الستينات والسبعينات وهو مؤلف عشرين كتابا جمعها كلها تحت عنوان واحد هو (مشكلات الحضارة) وحلل فيها الظاهرة الإستعمارية وهو واضع نظرية (قابلية الإنسان العربي للإستعمار) والمحرض الأول على التمسك بالهوية الإسلامية لمقاومة الثقافة الدخيلة. عنوان الكتاب هو (الظاهرة القرأنية) قام فيه بتحديث و تحيين أهم رسالات الوحي القرأني. كتاب ينير عصرنا الحاضر المهدد لكياننا ووجودنا. رحمك الله أستاذنا وغفر لنا غفلتنا عن الإفادة من صالح أعمالك.