[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
تتفاخر الكثير من الشعوب بالحروب التي خاضتها ضد دول وشعوب أخرى، ليس لأن هذه الشعوب تدرك حقيقة الحروب كاملة، لأن مؤرخي تلك الحروب أرادوها مفخرة كبيرة حتى لو كانت بسيول من الدماء تزيد عن أنهار تلك البلدان وجبال من الدمار والخراب، وقد نقرأ الكثير عن ما يسمى ب" عبقرية القائد وعقليته الاستراتيجية " استنادا إلى ما يسطره كتّاب ومؤرخو الحكومات والأنظمة، وما ترسمه أخبار الحروب التي تتم صياغتها من قبل أجهزة حكومية مهمتها الأساسية تتمحور حول جعل القائد صاحب عبقرية ورؤية ثاقبة لا يدانيه أحد، وفي حال ذهب المرء إلى الطرف الآخر لوجد أن تلك المؤسسات الصحفية والإعلامية قد صنعت من القائد في دولة الحرب الأخرى ما صنعه هؤلاء في الدولة الأولى، والمشكلة أن الناس في البلدين يصدقون ما يقال وما يرسم من لوحات بهية وفخمة للرؤساء والقادة.
الفرق بين قادة البناء وقادة الحروب ما يذكره التاريخ بفخر للقائد البروسي بسمارك، فعندما انتصرت بروسيا على فرنسا في حرب العام 1870، تنازلت فرنسا عن الالزاس وجزء من اللورين، إلا أن بسمارك عارض هذا الضم، لأنه لم يكن يريد أن يجعل من فرنسا عدوا له، وبهذا الصدد يقول المؤرخ أ. تايلور: إن ميزة بسمارك هي موهبته في طريقة ردود أفعاله على الأحداث حين وقوعها وتحويلها إلى ميزة لصالحه.
ما يجب إضافته إلى ما ذكره المؤرخ تايلور عن بسمارك، أنه ينظر أبعد من المساحة المرسومة أمام عينيه، فهو يرى في سيطرة قوة على أرض الغير حتى وإن كانت بقرار سياسي من تلك الدولة خطيئة كبيرة وقاتلة، والامر لن يقف عند لحظة تباهي الزعيم بقدراته العسكرية وخنوع الآخر وقبوله بكل شروط المنتصر، لأن المنتصر الحقيقي الذي يزيد من العلاقات قوة ومتانة بين شعبه وبين جيرانه وبين الإنسانية جمعاء ولن يتم ذلك على الاطلاق بالة الحرب والقتل وسفك الدماء.
ماذا لو طالب بسمارك بمزيد من الأراضي الفرنسية وأبقى جيشه يتحكم بالفرنسيين في تلك المناطق، عند ذاك سيتصرف الجنود بعنجهية القائد "العبقري والمنتصر"، ويشعر الفرنسيون بالذل والمهانة حتى إن تظاهروا خلاف ذلك، وتزداد أحقاد الفرنسيين ضد الألمان"المنتصرين " وبوعيهم أم بدونه سيتحكم دواخل الناس بمشاعرهم، ويتصاعد العداء وتزداد الكراهية بين الشعبين ليس في المناطق الواقعة تحت سطوة العسكر الألمان فقط وإنما بين الشعبين في داخل فرنسا والمانيا وخارجهما.
الفرق بين عبقرية بسمارك وسواه من الذين يتوهمون أنهم "عباقرة حرب" أن ثمة من يزرع البغضاء بين الأمم والشعوب وهناك من ينزع فتيل الأحقاد والضغائن، والفرق شاسع جدا بين هذا وذاك.
عندما يراجع الباحثون مواقف المؤرخين من العلماء الحقيقيين في العالم نادرا ما تجد موقفا يعتز به التاريخ مثل موقف بسمارك، في حين تمتلئ صفحات التاريخ بقصص دماء ودمار الحروب التي يتسابق "القادة العباقرة " على شنها ورمي الزيت على نارها.