رغم كل الكلام القديم الذي أنتجته مؤتمرات القمة العربية في دوراتها المتعددة السابقة، فإن جديدها هذا العام يسجل لها في وقت ما زال أكثر الوضع العربي معلقا، وما زالت أوضاعه بين اليأس والرجاء، وبين الأمل وعدمه.
ففي إعلان الكويت الذي صدر البارحة عن القمة العربية الخامسة والعشرين، لم يكن جديدا ما نالته سوريا من اهتمام من أهل القمة، لكن جديد القمة في هذا الشأن هو عدم الدعوة لتسليح المعارضة، في الوقت الذي بشرت به القمة هو إعادة الاعتبار إلى الدولة السورية برفع علمها الوطني على الكرسي المخصص لها، مع رفض كامل لأن يتبوأ مكانها الائتلاف السوري المعارض الذي كان اساسيًّا في مؤتمر القمة الماضي في الدوحة، والذي عكس يومها حالة انسداد أفق بين ما هو واقعي وما هو مفروض من لعبة لا تتجانس والتطلعات المنطقية العربية.
تمكنت القمة هذا العام إذن من أن تلفت النظر إلى ما اعلنته سوريا عن تشبثها وتمسكها بالحلول السياسية للأزمة السورية، بما يعني رفضها لكل حل عسكري، وايضا لكل ممارسات إرهابية ما يعني أيضا رفض حتى تلك المنظمات الإرهابية التي تتخذ من سوريا مقرا لها .. ومما يدعو إلى التفاؤل في هذا التغيير العربي، أن يأتي رفض نقل السلاح أو مده لتلك القوى الإرهابية، ومساعدة الشعب السوري على الخروج من محنته، الأمر الذي يعتبر خطوة نحو ردم قديم ما أنتجه الاجتماعات العربية السابقة وكل ما هو متعلق به في هذا السياق .. وهذا، إنما هو بحد ذاته مراجعة إن لم يكن تراجعا عما كانت عليه المواقف العربية وخصوصا تلك التي كان يعلنها نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي أصر في احد الإجابات أمس على ان الجامعة لا تتدخل بمسألة ارسال السلاح إلى سوريا، في نفس الوقت الذي كان فيه يصر على ان حل الأزمة يجب ان يكون سياسيًّا.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هي أم القضايا واكثرها تعقيدا، فالواضح ان القمة كانت واضحة تماما في إعلان موقف عربي رافض ليهودية الدولة، وهو الموقف ذاته الذي ترفضه السلطة الفلسطينية ويكاد يجمع عليه العرب ايضا .. إضافة إلى رفض الاستيطان الذي وصل حد الخطورة حيث تقيم اسرائيل عشرات الآلاف من المساكن فيما تتخلى عن عشرة مثلا في كذبة كبيرة على المجتمع الدولي وعلى الفلسطينيين .. كما كانت الإشارات إلى حل الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية محاولة لتصحيح مسار ما يحمله وزير الخارجية الأميركي جون كيري ويحاول من خلاله أن يمارس على الفلسطيني نوعا من التكاذب وعدم الصراحة في حقيقة هذا المفهوم .. ناهيك عما قاله إعلان الكويت من مطالب مشروعة وانسانية بضرورة حل قضية الأسرى الفلسطينيين والمعتقلين وإيجاد الطريقة الملائمة لذلك، وهو امر تتذرع به إسرائيل وتحاول ان تجد لها دائما ما ينغص حله.
والبارز أيضا، ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات القمة، تلك الإشارة الصريحة في الاشادة بالمقاومة اللبنانية ضد اسرائيل، الأمر الذي يخنق جميع الأصوات اللبنانية وغير اللبنانية المتحدثة دوما عن سحب سلاحها اضافة إلى المؤامرات التي تتعرض لها في الداخل اللبناني وفي خارجه، دون ان ينسى المؤتمر دعمه للجيش اللبناني وهو أمر يجمع عليه العرب، بل ثمة من وعد بتقديم الدعم المالي من أجل تسليحه، مع أن العرب يعرفون ان المطلوب دوما هو عدم التوازن في السلاح بين الدول العربية واسرائيل، فيما نال الكلام عن أهمية ودعم وحدة لبنان وشعبه الإجماع العربي برمته.
مع اهمية اعلان الكويت إزاء مجمل القضايا العربية والتي جاءت بمثابة بانوراما شاملة، يظل المطلوب تطوير الموقف العربي تجاه سوريا بما يترجم مصداقية الدعوة للحل السياسي للأزمة السورية كي نتمكن من الحكم على ان شيئا مهما عند العرب قد تغير.